العلوم الإنسانيّة هي عبارة عن دراسة للأنشطة والخبرات والبُنى وجميع الصناعات التي ترتبط بالبشر وتفسيراتها، حيث إنّ هذه العلوم تسعى لتنوير وتوسيع معرفة الفرد بوجوده وعلاقاته بالكائنات والأنظمة الأخرى، إضافةً إلى تطوير جميع الأعمال الفنيّة للحفاظ على الفكر الإنساني والقدرة على التعبير، ومن هنا نلخص مفهوم العلوم الإنسانيّة على أنها المجال الذي يُعنى بدراسة جميع الظواهر البشريّة.
ما يميّز هذه العلوم أو الدراسات بأنها تقوم على جمع البعد التاريخي والواقع الحالي، حيث إنها تتطلّب تقييم التجارب البشريّة قديماً والعمل على تفسيرها، إضافةً إلى فهم الظواهر البشريّة والعمل على وضع خطوطٍ عريضة للتطوّر الإنساني عن طريق تحليل نشاطه الحالي للتمكّن من هذا الأمر.
يختصّ هذا النوع من العلوم بالوعي للوجود البشري ومدى ارتباطه بالواقع والحقيقة، إضافةً إلى النقد العلمي الموضوعي، والسؤال الجوهري الذي تطرحه هذه العلوم هو ما هي حقيقة الإنسان؟ أما السؤال الأساسي الذي تحلّق حوله هذه العلوم هو ما هي الحقيقة؟
معلوماتٌ تاريخيّة حول العلوم الإنسانيّةتشير العلوم الإنسانيّة إضافةً للعلوم الأخلاقيّة والعلم الاجتماعي الإنساني، إلى البحث في تفاصيل حياة الإنسان ونشاطاته عن طريق استخدام (منهجيّة الظواهر)، وهذه المنهجيّة تعترف بصحّة التجارب النفسيّة والحسيّة، فهي على سبيل المثال تتضمن الطرق الإنسانيّة في عمليّة البحث في مجال الإنسانيّات والعلوم الاجتماعيّة، وتتضمن علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد وعلم الإنسان.
يناقض استخدام هذه العلوم لمنهج القوانين التجريبيّة الذي يشتمل على التجربة النفسيّة إضافةً للنهج الوضعي المناسب للعلوم الطبيعيّة، والتي تستثني بدورها كافة الطرق غير القائمة على الملاحظات الحسيّة فقط، ومن هنا فإنه غالباً ما يتمّ استخدام هذا التعبير في عمليّة التمييز بين المحتوى في مجال الدراسة، ومحتوى العلوم الطبيعيّة، والعمل على التمييز بين منهجيّته.
التطوّرات الأساسيّة في العلوم الإنسانيّةقام ديفيد هيوم باستخدام تعبير (العلوم الأخلاقيّة) في عمليّة البحث حول مبادئ الأخلاق، في إشارةٍ الدراسة المنهجيّة للطبيعة البشريّة والعلاقات بين البشر.
كان حلم هيوم هو تأسيس علم الطبيعة الإنسانيّة أو البشريّة، الذي يقوم على دراسة ظواهر القوانين التجريبيّة، ويستثنى منه كل ما لا ينشأ عن الرصد والملاحظة، إضافةً إلى رفض تفسيرات الإلهيّات وما وراء الطبيعة والغائيّات، وقد عمل على السعي إلى تطوير منهجٍ وصفي أساسي يرتكز على وصف الظواهر بدقةٍ وتفصيل، وشدّد هيوم على ضرورة تفسير المحتوى المعرفي للمفردات والأفكار بدقة وعناية، والعمل على ربطها بالجذور التجريبيّة وما تدلّ عليه في العالم الواقعي.
التطوّرات الحديثة في العلوم الإنسانيّةبعد إنشاء الفلسفة الوضعيّة، وكرد فعلٍ على إنشائها، قام باحثو العلوم الإنسانيّة المؤمنون بالوضعيّة بالتمييز بين المقاربة المنهجيّة الملائمة لمجالات الدراسة هذه بدقة وشكلٍ قاطع، ولأجل هذا يعمل الباحثون في هذا المجال بدراسة الخصائص المميزة والفريدة للظواهر، والتي يمكن من خلالها ظهور القدرة على ربط الظواهر بالمجموعات المعممة كأمرٍ رئيسي بها.
عمل جوهان جوستاف دريزن بعمليّة تفاضل في هذا السياق، حيث فاضل حاجة هذه العلوم الإنسانيّة لفهم الظواهر مع حاجة العلوم الطبيعيّة في عمليّة تفسير الظواهر، بينما عمل فيلهلم فيندلباند على ابتكار التعبيرات المقارنة وخاصة في الدراسة الوصفيّة للطبيعة الفرديّة للظواهر، والتعبيرات التشريعيّة للعلوم الهادفة إلى تعريف القوانين المعممة.
أما فيلهلم دلتاي فقد عمل على جمع محاولات القرن التاسع عشر بهدف صياغة المنهجيّة المناسبة للعلوم الإنسانيّة، وقد حاول التعبير عن عددٍ من العلوم الأخلاقيّة بشكلٍ كامل وبطريقةٍ منهجيّة وشاملة، ويشمل تصوّر دلتاي إضافةً لما سبق الكلاسيكيّات والأدب واللغات والموسيقى والتاريخ والفلسفة والدين والفنون المسرحيّة والبصريّة، حيث قام بوصف الطبيعة العلميّة لدراسةٍ ما، لأن القناعة تسمح للتصوّر بالوصول إلى الحقيقة، إضافةً إلى الطبيعة البديهيّة للفكر المنطقي.
المقالات المتعلقة بمفهوم العلوم الإنسانية