ابتكر الإنسان منذ القدم وسائل عديدةً لكسب الرّزق والقوت ، فترى الإنسان القديم الذي عاش في العصر الحجرّي قد ابتكر أدواتٍ لكسب قوته وطعامه ، فالإنسان مفطورٌ على البحث والسّعي لأجل ذلك ولا يستغني أحدٌ بحالٍ عن ذلك ، وتزداد مسؤولية الإنسان حين يكون عنده أولادٌ يريد أن يسدّ رمقهم ، فترى الواحد منّا يسافر الأميال الطّويلة ويتكبّد المشاقّ ويركب الصّعاب واضعاً نصب عينيه تحسين أوضاعه المعيشيّة وطلب الرّزق الحلال الطّيب ، فالحياة الكريمة هي مطلب البشر جميعاً وقد عدّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عدداً من النّعم من توفرت له فكأنه حيزت له الدنيا ، وهي ثلاث أمور أوّلها الأمن فبدونه لا يستطيع المرء الخروج من بيته خشية القتل أو الخطف ، وثانيها المعافاة في الجسد والنّفس والأولاد ، وثالثها هي القوت والطّعام الذي يكفيه يومه ، فتلك هي الحاجات الأساسيّة ومتى ما تحقّقت اطمأنّ الإنسان وشعر بالكرامة .
و قد كان العرب ما قبل الإسلام وبسبب أنّ الجزيرة العربيّة كانت صحراء قاحلةً قليلة الخيرات يسعون للتّجارة والتّكسب لتأمين قوت عيالهم ، فنظّموا رحلاتٍ للتّجارة نحو اليمن والشّام بما اصطلح على تسميته رحلة الشّتاء والصّيف ، فكانوا يذهبون صيفاً إلى الشّام يبتاعون المحصولات الزّراعية وخيرات الشّام الكثيرة ويتّجهون شتاءاً نحو اليمن فيبتاعون العطور والثّياب وغيرها ، وهم في طريقهم ورحلتهم يكونون في أمانٍ فالقبائل تحترمهم إذ أنّهم أهل البيت الحرام وسدنته فلا يتعرّض لهم أحد في وقتٍ اشتهرت فيه الجزيرة وما حولها بالسّلب والنّهب والخطف ، وقد امتن الله عليهم بذلك ، قال تعالى ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ*إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ*فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) وفي الآية الأخرى ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) ، فنعم الله عليهم أن جعل لهم الأمان في بيوتهم وبلادهم ورزقهم من الطّيبات بفضله فجحد طائفةٌ منهم بأنعم الله فكفروا برسالته ، فأراهم الله عذابه في الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب .
المقالات المتعلقة بما هي رحلة الشتاء والصيف