التوكل على الله جعل الله سبحانه وتعالى التّوكل عليه من صفاتِ المؤمنين الصادقين الذين أدركوا وأيقنوا حق اليقين أنّ الله هو نعم الوكيل لهم في جميع أمورهم، قال تعالى (وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى:36]، وسنتحدث في هذا المقال عن التوكل الحقيقي على الله.
مظاهر التّوكل الحقيقي على الله - إنّ التوكل على الله تعالى يكون من خلال الإيمان الحقيقي بأنّه لا وكيل يوكّل في أمور النّاس كالله عزّ وجل، فالله سبحانه هو الذي يحفظ الإنسان ويحميه ويرعاه بمشيئته النّافذة، ورحمته الواسعة، وعطائه الذي لا ينفد، ونعمه التي لا تحصى، وملكه الذي لا يُضام، وهو الذي يُسخر ملائكته بالليل والنّهار لتقوم بمهام الحفظ الإلهي للمسلم وإنزال السّكينة على قلبه.
- إنّ التوكل على الله يكون من خلال الأخذ أولاً بجميع الأسباب الدنيوية المادية، ثمّ التوكل على الله، فلا يصح التوكل بدون الكد والعمل والأخذ بالأسباب، فالسّاعي إلى تحصيل الرّزق الحلال الطيب لا يتصور تحصيله إذا قعد في بيته وركن إلى زاويته، وإنّما يكون تحصيل ذلك من خلال السّعي والكد والحيلة.
لقد وردت في ذلك آثار كثيرة، فقد وجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة في المسجد معتكفين معتزلين لا يعملون ولا يكدّون فما كان منه إّلا أنْ نهرهم وعلاهم بالدرة قائلاً: إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، كما ذكر أنَّ أعرابياً ترك بعيره يوماً بدون عقال بحجة توكله على الله حيث قال للنبي عليه الصلاة والسلام: أرخيها ثمّ أتوكل؟ فعلمه النبي الكريم درساً في التوكل الحقيقي على الله حينما قال له: بل اعقلها وتوكّل.
- التوكل على الله سبحانه يكون من خلال الإيمان الصادق بأنّه لا رازق إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا هو التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله في مسألة التّوكل الحقيقي على الله في الرزق (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، ولا شك في أنّ كثيراً من النّاس من ينقص إيمانه وتوكله الحقيقي بالله حينما يعتقد أنَّ أحداً من النّاس أو الأنداد يملك القدرة على أنْ يسوق إليه الرزق أو يحجبه عنه، فالمسلم الحقيقي المتوكل على الله يوقن بأنّ من يرزقه هو الله، والنّاس مجرَّد أدوات لتحقيق إرادة الله تعالى ومشيئته في الكون.
- يكون التوكل من خلال القناعة بما قسمه الله تعالى للإنسان، فالمسلم الذي يرضى برزقه وقسمته هو مسلمٌ متوكلٌ على الله؛ لأنّه يعلم بأنّ الرازق هو الله الذي فضل النّاس بعضهم على بعض في الرزق، والذي لا يقبض روحاً حتى تستوفي أجلها ورزقها.