أن تصبح تاجراً لا يعني البتة أن ترث رأسَ مالٍ كبير عن والدك، لتصبح مالكًا لثروةٍ تمنحك الفرصة لتخوض معترك التجارة.
قد يكون من التجار من ورثوا رأس المال عن آبائهم، لكن نسبتهم بين كبار التجار وعامّتهم ليست بالكبيرة، مقارنةً بالسواد الأعظم الذي كدّ وتعب حتّى يبدأ مشوار التجارة.
والسؤال المهم: كيف تصبح تاجرًا؟، وفي الحقيقة لا توجد وصفة سحرية أو مجموعة من الخطوات يمكن لأحد أن يزعم بأنّها هي الطريقة المثلى للبدء بالتجارة، فكل تاجر له قصته، ولكلّ تجارة مداخلها، لكن هناك عاملٌ مشتركٌ بين كل ذلك، وهو أنّ جميع التجار الناجحين قرروا أن يصبحوا تجارًا، وتحملوا المصاعب، وواجهوا التحديات في سبيل إنجاح تجارتهم، وإعادة بنائها بعد أن خسروا ثروتهم.
وبما أنّنا في الواقع نشهد بطالةً وتفشٍّ للفقر، وظاهرةً مزعجة لنا جميعًا هي عمالة الأطفال، فإنّ أحد الأطفال الذين يبيعون المقتنيات البسيطة على مفترقات الطرق، نموذجٌ قوي يمكنه أن يجيب على هذا السؤال.
فذلك الطفل يبيع في كل يوم ما يستطيع من المحارم والسجائر وأشياء أخرى، بمبالغ زهيدة، ونسبة أرباحه قليلةٌ جدًا، والواضح أنّه لا يدخر الأرباح لنفسه، فقد شاهدته وهو يعطي شخصًا آخر يكبره مبلغًا من المال، أكثر من مرة.
عندما اختلطت به وطلبت منه أن يبيعني واحدةً من المحارم، فرح وبادر لإعطائي إيّاها، بعدما أعطيته الثمن، إلّا أنّني من باب الشفقة عليه، طلبت منه أن يحتفظ بـ(كيس المحارم) ويبيعه لغيري.
صدمتني ردة فعله، حيث تحوّل الطفل المستعطف للمارة، وكأنّه رجلٌ يفوق الأربعين من العمر، وقال: "أنا تاجر و(بزنس مان) كمان، (مبشحتش) منك، وبديش تشفق عليّا، إزا شايفني اليوم ببيع (محارم)، بكرة راح أصير تاجر كبير، وتصير تشتري منّي بالجملة، وأصير أشوف حالي عليك كمان".
بغض النظر عن أنّ هذا المثال، قد يستشهد به في مجال احترام الفقراء، وعدم الشفقة عليهم، إلّا أنّ شاهدي هو أنّ الطفل أصرّ على أنّه تاجر، وأنّه لديه طموح، وهو الجزء المهم لدى كل من يرغب في أن يكون تاجرًا في يوم من الأيام.
ومن خلال ردة فعله، أصبحت على قناعة أنّه سيأتي يوم من الأيام وأرى هذا الطفل تاجرًا كبيرًا، ولذلك سعيت لمعرفة اسمه؛ لكنّه رفض أن يفصح عنه.
أن تمتلك الطموح يعني أنّك أصبحت تاجرًا بالفعل، يبقى فقط أن تدخل المعركة، اعلم أنّك ستكون عرضةً للخسارة الماحقة حتّى بعد أن تصل إلى مرحلة يصفونك فيها بالتاجر الكبير، صاحب رأس المال الضخم.
اعلم أيضًا أنّ التجارة ليست عالمًا للمثالية، بل عالم الجشع والكمائن في الصفقات، والخداع سواءً بين الباعة، أو بين المبتاعين.
في النهاية أن تصبح تاجرًا ليس كلَّ شيء، بل أن تبقى إنسانًا بعد أن تصبح تاجرًا هو الأهم من ذلك بكثير.
المقالات المتعلقة بكيف تصبح تاجر