يعقد خالد النية على أن يُقيم الليل، ويؤنس وحشته بقرب الإله، ورحمته، يتمتم بأذكار النوم، ويُعلن صفارة الإنتقال إلى الراحة، ثم يصحو في الثلث الأخير بسعادةٍ غامرةٍ أن أكرمه الله، وحباه، واصطفاه من العباد الأخيار ليعبده، ويرجو عفوه، ورضاه، وينال منزلة عظيمة يرجوها عباد الله.
يتوضأ، ويلثم سجادته، ويحضن مصحفه، ويصافح مسبحته، ويستقبل القبلة بأدب، وخشوع ليسأل الله ويعطيه، يناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
ثم يحل الفجر بانشراحٍ، وبِشرٍ ويصليه جماعة ثم يتلو أذكار الصباح بتمعن، ورجاء، ويذهب إلى رزقه طالبا من ربه الكرم، والخير.
هكذا عباد الله يُحيون الليل بالعمل الصالح، والذكر النافع، والخير الذي لا ينضبه؛ فأثره باق إلى يوم الحساب، وشفاعته يوم الآخرة تأتي بانسكاب.
محتوياتصلة العبد، وربه الصلاة، وإنها لأول، وأهم الفرائض التي فرضها الإسلام على عباده، وصلاة الليل نافلةٌ يُحب الله قائمها، ومُصليها، ويمنحه من البركة الكثيرة. إن صلاة الليل من الأعمال المستحبة، والسنن المؤكدة، ذات الفضل العظيم، ومن أفضل العبادات، وتكون سداً منيعاً لكل سوء ممكن أن يخترق المسلم أو يؤذيه، هي مرضاة للرب، مصلحة للبدن، دأب للصالحين، وتجارة للمؤمنين، واقتداءاً بسنة رسول الله، ووقتها يكون منذ بدء الليل إلى قبل صلاة الفجر، ويُفضَّل أن تكون في الثلث الأخير من الليل؛ لأن الرب ينزل إلى السماء الدنيا في هذا الوقت وينادي عبده بالسؤال ليُجيبه، ويُعطيه ما أراد، ويناجي المسلم ربه، يبكي، يتذلل، ويرجو، يشكو ضعف قوته، وقلة حيلته، وتكاثر همومه، ونفاذ صبره،
يقف على بابه يرجو ربه ألا يرده خائباً، ولا يجعله ذليلاً بين الناس يطلب الحاجة منهم، يسبح بحمده طويلاً قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، يسأل الله دون حاجز، يفرش سجادته، ويسكن مع الليل بطمأنينةٍ، وأنسٍ، وسعادةٍ من الله.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول "أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له" فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر.
إنّ المؤمن يستيقظ بإذن من الله، وتوفيق، ورعاية، وشوق؛ فهو جل في علاه يحب صوت عباده في التذلل، والرجاء، والإنتظار المقرون بالعبادة، ولمَّا يستمر في احياء الليل بالقيام، والصلاة، والدعاء، والتفكر في خلق الله، ورحمته كان حقاً على الله أن يُجيب سؤاله، ويعطيه مناه، ويُسعد قلبه بالرضا، واليقين بالإجابة.
كيفية صلاة الليلوصلاة قيام الليل تكون ركعتين، أو ست، أو ثمانية، أو عشرة، أو اثنتي عشر، يبدأ المصلي بصلاة ركعتين يُستحب أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الإخلاص، و في الركعة الثانية سورة الكافرون، وبعد السجدتين يتشهد ويُسلِّم، وفي ختام قيام الليل يصلي ركعة الوتر، ويقول ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد : "اللهم لك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".
أسهل طريقة لقيام الليلقليلٌ دائمٌ خيرُ من كثير منقطع، فلو خصَّص المسلم ساعة من كل ليلة يكون خيراً وفيراً، وعملاً صالحاً يشهد له يوم لا ينفع مال، ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، ويبدأ قائم الليل بتقسيم هذه الساعة؛ لتزداد الحسنات، ويتعاظم الخير، والرضا في قلبك، وتشعر بالقرب من ربك، تكون أول ربع ساعة استغفار ففيه مفاتيح المغاليق، وتيسير المعسرات، وموت للسيئات، وعطايا من رب الأرض، والسماوات، ثم ربع ساعة لقراءة القرآن، وتلاوته، وتدبر معانيه، واجادة تلاوته، ثم ربع ساعة ثالثة للصلاة، والتهجد، والتذلل في السجود، فرب السماء، والأرض ينادي عبده ويقول: هل من داعٍ فأدعوه، ثم آخر ربع ساعة تكون للدعاء، والرجاء بتحقيق الأمنيات، وبذلك يكون المسلم جلس في حضرة الذكر، والطاعة، والقرب من الله وقتاً مباركاً يشفع له.
الأسباب الميسرة لقيام الليلإن من يحرص على الفوز برضا الله، وجنته يُيسر كل الأسباب لضمان المواظبة على الطاعات، والنوافل، والمستحبات، ويؤديها بحرصٍ شديدٍ على اتمامها على أفضل وجه، ومن الأسباب المعينة على قيام الليل النوم باكراً؛ للاستيقاظ في الثلث الأخير، وعدم الإكثار من الطعام والشراب بعد صلاة العشاء؛ لأن الجوع يوقظ المسلم ليلاً، ويكون بذلك حظي بقيام الليل.
كذلك نوم القيلولة يُعين على القيام بإذن الله، وتجنب المعاصي في النهار كي لا يُحرم أجر الليل، وتهجده.
آثار قيام الليلإن المسلم الذي يواظب على طاعة الله في قيام الليل يمنحه الله خيرات جليّة، ومزايا عديدة، فقائم الليل يُلقي الله على وجهه نوراً، وفي قلبه سروراً، ويسكن داخله رضا، وطمأنينة.
الإسلام دين يسر، وتوسط، ونهى عن التشدد، والتسلط، وهنالك من الناس من لا يتمكنون من قيام الليل؛ لعلةٍ، ومرض، أو كبرٍ في السن وهرم، أو عمل يحول بينه وبين الاستيقاظ في الليل للخروج باكراً للعمل أو لمصلحة مثلاً، غير أن هنالك أعمالأً يستطيعون تأديتها ابتغاء وجه الله تعالى، وينالون فيها أجر قيام الليل، كقراءة مائة آية في الليل قبل النوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ مائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة" وذلك يسير بقراءة أذكار النوم، وآياته لتنال الثواب بإذن الله.
كذلك قراءة آخر آيتين من سورة البقرة فهي تكفيه من قيام الليل كما قال رسول الله.
وأن تنوي قيام الليل، وتنام، وإن لم يكتب الله لك الاستيقاظ تأخذ أجر قيام الليلة؛ لأن النية محلها القلب، وصدق العبد مع ربه يُحقق له الخير، والحسنات حتى وإن لم يقم بها، وفي ذلك دلالة على رحمة الله، وسعة فضله، واحسانه.
وأن تُخبر أهلك، وأصحابك فضل قيام الليل، والأعمال التي تعدله؛ لأن الدال على الخير كفاعله.
ثم إن حسن الخلق، ودماثته، وتحقيق سماته بلوغ درجة قائم الليل، وصائم النهار كما قال رسول الله في سنته النبوية الذهبية.
كل ذلك دلالات هامة تشير إلى فضل قيام الليل، وأهميته، وأن سهام الليل التي لا تُخطئ، مزاياها عديدة فريدة، وآثارها كبيرة حميدة.
اعزموا النية وجدَّدوها على قيام الليل، والدوام على الطاعة، ففيه من اللذة، والحلاوة من لا يشعر بها إلا من ذاقها، وعرف نعيمها، اعملوا لآخرةٍ تدوم، وتبقى، وصلوا لله حباً وقرباً.
المقالات المتعلقة بكيفية صلاة الليل