محتويات
- ١ تعريف اللِّحية
- ٢ هل إطلاقُ اللِّحية سُنَّةٌ أم فَرض
- ٣ آراءُ العُلَماء في حُكْم حَلْق اللِّحْيَة
- ٤ مسائل خاصة باللّحية
- ٥ المراجع
تعريف اللِّحية اللِّحيَةُ في اللُّغة: اسْمٌ يجمع من الشّعْر مَا نَبَتَ على الْخَدّين والذَّقن، وَالْجمع لِحىً. قَالَ سِيبَوَيْه: وَالنّسب إِلَيْهِ لَحَوِيّ، وَرجل ألحَى ولِحيانيّ: طَوِيل اللِّحيةِ، وَهُوَ من نَادِر معدول النّسَب، والتحى الرّجل: صَار ذَا لِحيةٍ، واللَّحْيُ: الذِي ينْبت عَلَيْهِ الْعَارِض. وَالْجمع ألْحٍ ولُحِىٍّ ولِحاءٌ، واللَّحيانِ: حَائِط الْفَم، وهما العظمان اللَّذَان فيهمَا الْأَسْنَان من دَاخل الْفَم، يكون للْإنْسَان وَالدَّابَّة. وَالنّسب إِلَيْهِ لَحَويّ.[١]
أما في الاصطلاح فهي الشَّعْرُ النَّابِت على الذَّقْن والتي هي مُجتَمع اللِّحْيَيْن، ومثلها العارض.[٢] وبذلك لا يُعتبر شَعر الخد من اللّحية.
هل إطلاقُ اللِّحية سُنَّةٌ أم فَرض تُعتَبَرُ مَسألة حَلق اللِّحيةِ من أكثر المسائل المُتداوَلة في الوقت الحاضر؛ وذلك لوجودِ خِلافٍ سابقٍ فيها عند فُقهاء المذاهب المُعتَبرة، وقد اقتَصَر أصحاب تلك المذاهب على ذِكر الحُكم الشرعيِّ لها دون تعقيبٍ كافٍ عليها، ويعودُ سَبب عدم اهتمام العُلماء السَّابقين بهذا الأمر أنَّ اللِّحية كانت تُمَثِّل رمزاً مُهمّاً في المُجتمع الإسلاميّ، وسِمةً مُلاصِقَةً للرّجال بكافة أطْيافهم وأَعْراقِهم، أما في الزَّمن الحاضر فقد اختلطت الشّعوب بالحضارات الغربيّة وفَسَدت العادات واختلفت الأعراف، لذلك أصبح النّاس يُناقشون هذه المَسألة لكثرة مَن يَحلِقون لِحاهُم، وقِلَّة من يلتزم بإطلاقها، لِكُل ذلك كان من الضَروريّ ذِكْرُ آراء العُلماء السَّابقين في هذه المسألة على وجه الإيضاح والبيان.
آراءُ العُلَماء في حُكْم حَلْق اللِّحْيَة ينقَسمُ حكمُ حلق اللّحية إلى ثلاثة فروعٍ من حيث المقصود بالحلق، والفروع هي: الحلقُ والإطالة والتّقصير، فقد اتَّفَق الفُقهاء على أَن حلق جَمِيع اللِّحْيَة مُثلَة لَا تجوز وبالذّات على الخَلِيفة والفاضل والعالم:[٣]
- ذهب أصحاب القول الأول من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنَّ إعفاء اللِّحية واجب، وقد استدلّوا على ذلك بعدَّةِ أدلّة منها: أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين: وفروا اللّحى، وأحفوا الشّواربَ. وكان ابنُ عمرَ إذا حجَّ أو اعتمر قَبَضَ على لحيتِه، فما فَضُلَ أَخَذَهُ).[٤] وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (جُزُّوا الشَّوارِب وأرخوا اللِّحى، خالفوا المجوس).[٥]
فعند الحنفيّة ومن وافقهم من المالكيّة والحنابلة يحرُم حلق لحية الرّجل، ويُسنّ ألا تزيد في طولها على القبضة، فما زاد على القبضة يُقصّ، ولا بأس بأخذ أطراف اللّحية، وتُسَنُّ المُبالغة في قصّ الشّارب حتّى يُوازي الحرف الأعلى من الشفّة العُليا. وقال بعضهم: إن السُنّة حلق الشّارب، ونسب ذلك إلى أبي حنيفة وصاحبيه.[٦]ويُعزِي الحنفية سبب تحريم حلق اللّحى في التشبّه باليهود والمُخَنَّثين والأعاجم، [٧] أما عند المالكية؛ فإنّ سبب وجوب إعفائها كما نقل صاحب مواهب الجليل: (وحلق اللّحية لا يجوز، وكذلك الشّارب، وهو مُثلة وبِدعة، ويؤدَّب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يُريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه).[٨]. ويقول ابن رشد الجَدّ في المُقدّمات المُمهّدات: (وأمّا اللّحية فتُعفى على ما جاء في الحديث؛ لأنَّ فيها جمالاً. وقد جاء في بعض الأخبار أنّ الله عزّ وجل زيَّن بني آدم باللّحى، فحلقها مُثْلَة وتشبيهٌ بالأعاجم في ذلك، إلا أن تَطول فلا بأس بالأخذ منها).[٩]
- إعفاء اللّحية سُنّة يُكره حلقها والمبالغة في قصّها: ذهب أصحاب هذا الرّأي من الشافعيّة وغيرهم إلى أنَّ إعفاء اللّحية سُنَّة، وحلقُها أو المبالغة في الأخذ منها مكروه،[١٠] وممّن قال بذلك الإمام الهيتميّ، والإمام زكريّا الأنصاريُّ، حيثُ يقول في أسنى المطالب: (ويُكره نَتْفُهَا، أَيْ اللِّحْيَةِ، أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَاراً لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ، وَنَتْفُ الشَّيْبِ لِمَا مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَاسْتِعْجَالُهُ، أَيْ الشَّيْبِ بِالْكِبْرِيتِ أو غَيْرِهِ طَلَباً لِلشَّيْخُوخَةِ وَإِظْهَارًا لِعُلُوِّ السِّنِّ لِأَجْلِ الرِّيَاسَةِ).[١١] واستدلوا على قولهم بما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: (أن النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: عشر من الفطرة: قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء).[١٢]، فجعل إعفاء اللّحية مع هذه المَسنونات، ممّا يدلّ على أنّ حكم الجميع واحد.[١٣] وإلى ذلك ذهب العلّامة الكشناويّ من عُلماء المالكيّة حيث قال: (ومن الفطرة قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان)، ثم يُعَقِّبُ بقول الإمام النفراويّ في ذلك بقوله: (إن الشيوخ اختلفوا في تفسير الفطرة: فمنهم من فسّرها بالسُنّة القديمة التي اختارها الله لأنبيائه واتّفقت عليها الشّرائع حتى صارت كأنّها أمرٌ جِبِلِّي فُطِروا عليه. ومنهم من فسّرها بالخِصال التي يتكمّل بها الإنسان بحيث يصير بها على أشرف الأوصاف).[١٤] وبذلك تكون اللّحية من الفِطرة التي جَبَل الله النّاس عليها، فلا يكون إطلاقها فرضاً، بل سُنّةً مُستحبّة، ويكون حلقها مُخالفةٌ صريحةٌ للفطرة. وقد سُئل الإمام مالك رضي الله عنه عن إطالة شعر اللّحية فكرهه، وقال في نتف الشّيب: ما أعلمه حراماً، وتركه أحبّ إليّ.[١٥]
يُمكن تلخيص حكم حلق اللّحية إلى النّقاط الآتية بحسب ما ذهب إليه الفقهاء:
- لا يجوز حلق جميع اللّحية باتّفاق الفقهاء، حيث ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى حرمة حلقها بالكُليّة، وذهب الشافعيّ وأصحابه إلى كراهة حلقها كلّها أو المبالغة في الأخذ منها.
- يُسَنُّ إعفاء اللّحية بإطلاقها وتوضيبها ومُعاهدتها وتجميلها.
- يجوز الأخذ من اللّحية ما يزيد عن مقدار قبضة يد الرّجل المُتوسّط؛ وذلك بقصد تزيينها وتوضيبها باتّفاق الفقهاء.
- يُكره إطالة اللّحية عن مِقدار قَبضة أو تركها حتّى تطول كثيراً، وهو رأي الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة.
مسائل خاصة باللّحية - غَسل اللِّحيَة فِي الوُضُوء:[١٦] تَتَّفق المذاهِب الأَْربعة على أَنَّه يَجِب فِي الْوضُوءِ غَسْل بَشَرَةِ الْوجْه مِنْ شعْرِ اللِّحْيَةِ إِنْ كَانَ خفِيفاً تظْهر الْبَشَرة مِنْ تحتهِ، فَيَغْسِل البَشَرةَ وَيَغْسِل اللِّحْيَةَ ظَاهِراً وَبَاطِناً، وَالْمُرَادُ بِظهورِ الْبَشَرَةِ ظُهُورُهَا فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، وَوَجْه الوجُوبِ أنَّ اللَّه سبحانه تعالَى فرض فِي الوضُوءِ غسْل الوَجْه، وَالوَجه منَ الموَاجَهَة، وَالمواجهة تحصُل فِي اللِّحيَة ذَاتِ الشَّعْر الخَفِيف بِبَشَرَة الوَجْهِ وَبِالشَّعر الذِي عَليهَا. وَهَذا الاتّفَاق إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ منَ الشَّعر في حيِّز دَائِرَة الوَجه، دُونَ المُستَرسِل منَ اللِّحيَة تَحت الذَّقْن طُولاً، ودونَ الخَارِجِ عن حدِّ الوَجه عَرضاً. أَمَّا اللِّحيَة الكَثِيفَة فَتَتَّفِق الأقوَال المُعتَمَدَة فِي الْمَذَاهِب الأربَعَة على أَنَّه لاَ يجِب فِي الوُضُوء غَسل بَاطِنِها ولا إِيصَال الماءِ إِلَى البَشَرة وَمَنَابِت الشَّعر، لِعَدَم حُصُول المُوَاجَهَة بِه.
- صبغ اللحية وتزيينها:[٦]
- قال المالكيّة والشافعيّة: يُكره تنزيهاً للرّجل صِباغة شيب اللّحية بالسّواد، ومحلّ الكراهة إذا لم يكن ذلك لغرض شرعيّ، كإرهاب عدوّ، فإنّه لا حرج فيه، بل يُثاب عليه، وأمّا إذا كان لغرض فاسدٍ كأن يغشّ امرأة يريد زواجها فإنّه يَحرُم، ولا يُكره صِباغة الشّعر بما يجعله أصفر وذلك كالحناء، فإنّه يجوز للرّجل صباغة شعر رأسه ولحيته بالحنّاء ونحوها.
- أمّا الحنفيّة فقالوا: يُستحبّ للرّجل أن يُخَضِّب لحيته ورأسه، فإن فعل بقصد التزيّن للنّساء فقيل: مكروه، وقيل: لا. وقال أبو يوسف: كما يُعجبها أن أتزيّن لها.
- عند الحنابلة: يُسَنُّ من الخضاب الحنّاء ونحوها كالزّعفران، أما الصِّباغَة بالسّواد فإنّه مكروه ما لم يكن لغرض شرعيّ فإنّه لا يُكره، أمّا إذا كان لغرض فاسدٍ كالتدليس على امرأة يريد زواجها فإنّه يَحرُم.
المراجع ↑ أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سِيْدَه (2000)، المُحكم والمحيط الأعظم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 444، جزء 3. ↑ أبو عمر دبيان بن محمد الدبيان (2005)، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 337، جزء 3. ↑ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 157. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، الصفحة أو الرقم: 5892. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم: 260. ^ أ ب عبدالرحمن بن عوض الجزري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 44، جزء 2. ↑ ابن عابدين، تحقيق عادل عبد الموجود وزميله، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين رد المحتار، لبنان-بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 398، جزء 3. ↑ الحطَّاب المالكي (1412هـ - 1992م)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (الطبعة الثَّالثة)، بيروت-لبنان: دار الفكر، صفحة 216، جزء 1. ↑ محمد بن احمد بن رشد الجد (1988)، المقدمات الممهات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الغرب الإسلامي، صفحة 447، جزء 3. ↑ ابن الملقن، تحقيق عبد العزيز المشيقح (1417 هـ - 1997 م)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السَّعودية: دار العاصمة للنشر والتوزيع، صفحة 711، جزء 1. بتصرف. ↑ أبو يحيى الأنصاري، أسنى المطالب في شرح روض الطالب ، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 551، جزء 1. ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 261. ↑ أبو بكر بن حسن الكشناوي، أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 363، جزء 3. ↑ محمد بن عبد الله بن يونس التميمي (2013)، الجامع لمسائل المدونة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 154، جزء 24. ↑ مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 228، جزء 35.