كثرة اللوم دائماً تؤدي للتهلكة، وخسران العلاقات وتضعف متانة الروابط بيننا وبين من نحب ونحترم، لهذا نجد الكثير من القصائد التي تحدثت عن اللوم وما يؤل إليه ومن أبرزها قصيدة ابن الرومي التي نوردها فيما يلي.
دع اللوم إن اللوم عون النوائب لابن الروميدع اللّوم إن اللّوم عون النوائبولا تتجاوز فيه حدّ المعاتب
فما كلّ من حطّ الرحال بمخفقولا كلّ من شدّ الرحال بكاسب
وفي السعي كيس والنفوس نفائسوليس بكيس بيعها بالرغائب
وما زال مأمول البقاء مفضّلاًعلى الملك والأرباح دون الحرائب
حضضت على حطبي لناري فلا تدعلك الخير تحذيري شرور المحاطب
وأنكرت إشفاقي وليس بمانعيطلابي أن أبغي طلاب المكاسب
ومن يلق ما لاقيت في كل مجتنىًمن الشوك يزهد في الثمار الأطايب
أذاقتني الأسفار ما كرّه الغنىإليّ وأغراني برفض المطالب
فأصبحت في الإثراء أزهد زاهدوإن كنت في الإثراء أرغب راغب
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهيبلحظي جناب الرزق لحظ المراقب
ومن راح ذا حرص وجبن فإنهفقير أتاه الفقر من كل جانب
ولما دعاني للمثوبة سيّديرى المدح عاراً قبل بذل المثاوب
تنازعني رغب ورهب كلاهماقويّ وأعياني اطّلاع المغايب
فقدمت رجلاً رغبةً في رغيبةوأخّرت رجلاً رهبةً للمعاطب
أخاف على نفسي وأرجو مفازهاوأستار غيب اللّه دون العواقب
ألا من يريني غايتي قبل مذهبيومن أين والغايات بعد المذاهب
ومن نكبة لاقيتها بعد نكبةرهبت اعتساف الأرض ذات المناكب
وصبري على الإقتار أيسر محملاًعليّ من التغرير بعد التجارب
لقيت من البرّ التّباريح بعدمالقيت من البحر ابيضاض الذوائب
سقيت على ريّ به ألف مطرةشغفت لبغضيها بحبّ المجادب
ولم أسقها بل ساقها لمكيدتيتحامق دهر جدّ بي كالملاعب
إلى اللّه أشكو سخف دهري فإنهيعابثني مذ كنت غير مطائب
أبى أن يغيث الأرض حتى إذا ارتمتبرحلي أتاها بالغيوث السواكب
سقى الأرض من أجلي فأضحت مزلّةًتمايل صاحيها تمايل شارب
لتعويق سيري أو دحوض مطيّتيوإخصاب مزوّر عن المجد ناكب
فملت إلى خان مرثّ بناؤهمميل غريق الثوب لهفان لاغب
فلم ألق فيه مستراحاً لمتعبولا نزلاً أيان ذاك لساغب
فما زلت في خوف وجوع ووحشةوفي سهر يستغرق الليل واصب
يؤرّقني سقف كأّني تحتهمن الوكف تحت المدجنات الهواضب
تراه إذا ما الطين أثقل متنهتصرّ نواحيه صرير الجنادب
وكم خان سفر خان فانقضّ فوقهمكما انقضّ صقر الدجن فوق الأرانب
ولم أنس ما لاقيت أيام صحوهمن الصّرّ فيه والثلوج الأشاهب
وما زال ضاحي البرّ يضرب أهلهبسوطي عذاب جامد بعد ذائب
فإن فاته قطر وثلج فإنهرهين بساف تارةً أو بحاصب
فذاك بلاء البرّ عندي شاتياًوكم لي من صيف به ذي مثالب
ألا ربّ نار بالفضاء اصطليتهامن الشّمس يودي لفحها بالحواجب
إذا ظلت البيداء تطفو إكامهاوترسب في غمر من الآل ناضب
فدع عنك ذكر البرّ إني رأيتهلمن خاف هول البحر شرّ المهارب
كلا نزليه صيفه وشتاؤهخلاف لما أهواه غير مصاقب
لهاث مميت تحت بيضاء سخنةوريّ مفيت تحت أسحم صائب
يجفّ إذا ما أصبح الرّيق عاصباًويغدق لي والرّيق ليس بعاصب
ويمنع منّي الماء واللّوح جاهدويغرقني والريّ رطب المحالب
وما زال يبغيني الحتوف موارباًيحوم على قتلي وغير موارب
فطوراً يغاديني بلصّ مصلّتوطوراً يمسّيني بورد الشّوارب
إلى أن وقاني اللّه محذور شرّهبعزته واللّه أغلب غالب
فأفلتّ من ذؤبانه وأسودهوحرّابه إفلات أتوب تائب
وأما بلاء البحر عندي فإنهفإنه طواني على روع مع الروح واقب
ولو ثاب عقلي لم أدع ذكر بعضهولكنه من هوله غير ثائب
ولم لا ولو ألقيت فيه وصخرة ًلوافيت منه القعر أول راسب
ولم أتعلم قط من ذي سباحة سوى الغوص، والمضعوف غير مغالب
فأيسر إشفاقي من الماء أننيأمرّ به في الكوز مرّ المجانب
وأخشى الردى منه على كل شاربفكيف بأمنيه على نفس راكب
أظلّ إذا هزته ريح ولألأتله الشمس أمواجاً طوال الغوارب
كأني أرى فيهنّ فرسان بهمة يليحون نحوي بالسيوف القواضب
فأن قلت لي قد يركب اليّم طامياًودجلة عند اليّم بعض المذانب
فلا عذر فيها لامرء هاب مثلهاوفي اللجة الخضراء عذر لهائب
فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائموإن بياني ليس عني بعازب
لدجلة خبّ ليس لليمّ، إنهاتراءى بحلم تحته جهل واثب
تطامن حتى تطمئنّ قلوبناوتغضب من مزح الرياح الواعب
وأجرافها رهن بكلّ خيانةوغدر ففيها كلّ عيب لعائب
ترانا إذا هاجت بها الرّيح هيجةًنزلزل في حوماتها بالقوارب
نوائل من زلزالها نحو خسفهافلا خير في أوساطها والجوانب
زلازل موج في غمار زواخروهدّات خسف في شطوط خوارب
ولليمّ إعذار بعرض متونهوما فيه من آذيّه المتراكب
ولست تراه في الرياح مزلزلاًبما فيه إلّا في الشداد الغوالب
وإن خيف موج عيذ منه بساحلخلي من الأجراف ذات الكباكب
ويلفظ ما فيه فليس معاجلاًغريقاً بغتّ يزهق النفس كارب
يعلل غرقاه إلى أن يغيثهمبصنع لطيف منه خير مصاحب
فتلقى الدلافين الكريم طباعهاهناك رعالاً عند نكب النواكب
مراكب للقوم الذين كبا بهمفهم وسطه غرقى وهم في مراكب
وينقض ألواح السفين فكلّهافمن ساد قوماً أوجب الطول أن يرى
وما أنا بالراضي عن البحر مركباولكنني عارضت شغب المشاغب
صدقتك عن نفسي وأنت مراغميوموضع سري دون أدنى الأقارب
وجرّبت حتى ما أرى الدهر مغرباًعليّ بشيء لم يقع في تجاربي
أرى المرء مذ يلقى التراب بوجههإلى أن يوارى فيه رهن النوائب
ولو لم يصب إلّا بشرخ شبابهلكان قد استوفى جميع المصائب
ومن صدق الأخيار داووا سقامهبصحّة آراء ويمن نقائب
وما زال صدق المستشير معاوناًعلى الرأي لبّ المستشار المحازب
وأبعد أدواء الرجال ذوي الضّنىمن البرء داء المستطبّ المكاذب
فلا تنصبنّ الحرب لي بملامتيوأنت سلاحي في حروب النوائب
وأجدى من التعنيف حسن معونةبرأي ولين من خطاب المخاطب
وفي النصح خير من نصيح موادعولا خير فيه من نصيح مواثب
ومثلي محتاج إلى ذي سماحةكريم السجايا أريحيّ الضرائب
يلين على أهل التسحّب مسّهويقضي لهم عند اقتراح الرغائب
له نائل ما زال طالب طالبومرتاد مرتاد وخاطب خاطب
ألا ماجد الأخلاق حرّ فعالهتباري عطاياه عطايا السحائب
كمثل أبي العباس إنّ نوالهنوال الحيا يسعى إلى كلّ طالب
يسيّر نحوي عرفه فيزورنيهنيئاً ولم أركب صعاب المراكب
يسير إلى ممتاحه فيجودهويكفي أخا الإمحال زمّ الركائب
ومن يك مثلاً للحيا في علوّهيكن مثله في جوده بالمواهب
وإنّ نفاري منه وهو يريغنيلشيء لرأي فيه غير مناسب
وإن قعودي عنه خيفة نكبةللؤم مهزّ وانثناء مضارب
أقرّ على نفسي بعيبي لأننيأرى الصدق يمحو بيّنات المعايب
لؤمت لعمر اللّه فيما أتيتهوإن كنت من قوم كرام المناصب
لهم حلم إنس في عرامة جنّةوبأس أسود في دهاء ثعالب
يصولون بالأيدي إذا الحرب أعملتسيوف سريج بعد أرماح زاعب
ولا بد من أن يلؤم المرء نازعاًإلى الحمأ المسنون ضربة لازب
فقل لأبي العباس لقّيت وجههوحسبك مني تلك دعوة صاحب
أما حقّ حامي عرض مثلك أن يرىله الرفد والترفيه أوجب واجب
أمن بعد ما لم ترع للمال حرمةًوأسلمته للجود غير مجاذب
فأعطيت ذا سلم وحرب ووصلةوذنب عطايا أدركت كلّ هارب
ولم تشخص العافين لكن أتتهملهاك جليبات لأكرم جالب
عليماً بأنّ الظّعن فيه مشقّةوأنّ أمرّ الربح ربح الجلائب
تكلّفني هول السّفار وغولهرفيق شتاء مقفعلّ الرواجب
ولاسيّما حين ارتدى الماء كبرهوشاغب أنفاس الصّبا والجنائب
وهرّت على مستطرقي البرّ قرّةيمسّ أذاها دون لوث العصائب
كأن تمام الودّ والمدح كلّههويّ الفتى في البحر أو في السّباسب
لعمري لئن حاسبتني في مثوبتيبخفضي لقد أجريت عادة حاسب
حنانيك قد أيقنت أنك كاتبله رتبة تعلو به كلّ كاتب
فدعني من حكم الكتابة إنهعدو لحكم الشعر غير مقارب
وإلّا فلم يستعمل العدل جاعلأجدّ مجدّ قرن ألعب لاعب
أيعزب عنك الرأي في أن تثيبنيمقيماً مصوناً عن عناء المطالب
فتلفى وألفى بين صافي صنيعةوصافي ثناء لم يشب بالمعاتب
وتخرج من أحكام قوم تشدّدوافقد جعلوا آلاءهم كالمصائب
أيذهب هذا عنك يا ابن محمدوأنت معاذ في الأمور الحوازب
لك الرأي والجود اللذان كلاهمازعيم بكشف المطبقات الكوارب
وما زلت ذا ضوء نوء لمجدبوحيران حتى قيل بعض الكواكب
تغيث وتهدي عند جدب وحيرةبمحتفل ثرّ وأزهر ثاقب
وأحسن عرف موقعاً ما تنالهيدي وغرابي بالنوى غير ناعب
أراك متى ثوّبتني في رفاهةزففت إليّ الملك بين الكتائب
وأنت متى ثوّبتني في مشقّةرأيتك في شخص المثيب المعاقب
ولو لم يكن في العرف صاف مهنّأوذو كدر والعرف شتّى المشارب
إذاً لم يقل أعلى النوابغ رتبةًلمقول غسّان الملوك الأشايب
عليّ لعمرو نعمة بعد نعمةلوالده ليست بذات عقارب
وما عقرب أدهى من البين إنهله لسعة بين الحشا والترائب
ومن أجل ما راعى من البين قولهكليني لهمّ يا أميمة ناصب
أبيت سوى تكليفك العرف معفياًبه صافياً من مؤذيات الشوائب
بل المجد يأبي غير سومك نفسهورفعك عن طود المنيل المحاسب
فصبراً على تحميلك الثّقل كلّهوإن عزّ تحميل القروم المصاعب
ولا يعجبنّ الناس من سعي متعبمشيح لجدوى مستريح مداعب
فمن ساد قوماً أوجب الطول أن يرىمجدّاً لأدناهم وهم في الملاعب
ومن لم يزل في مصعد المجد راقياًصعاب المراقي نال عليا المراتب
ألم ترني أتعبت فكري محكّكاًلك الشعر كي لا أبتلى بالمتاعب
نحلتك حلياً من مديح كأنههوى كلّ صبّ من عناق الحبائب
أنيقاً حقيقاً أن تكون حقاقهمن الدرّ لا بل من ثديّ الكواعب
وأنت له أهل فإن تجزني بهأزدك وإن تمسك أقف غير عاتب
فإن سألتني عنك يوماً عصابةشهدت على نفسي بسوء المناقب
وقلت دعاني للندى فأتيتهفأمسكه بل بثّه في المناهب
وما احتجزت مني لهاه بحاجزولا احتجبت عني هناك بحاجب
ولكن تصدّت وانحرفت لحرفتيففاءت ولم تظلم إلى خير واهب
وما قلت إلا الحقّ فيك ولم تزلعلى منهج من سنّة المجد لاحب
وإني لأشقى الناس إن زرّ ملبسيعلى إثم أفّاك وحسرة خائب
وكنت الفتى الحرّ الذي فيه شيمةتشيم عن الأحرار حدّ المخالب
ولست كمن يعدو وفي كلماتهتظلّم مغصوب وعدوان غاصب
يحاول معروف الرجال وإن أبواتعدّى على أعراضهم كالمكالب
وأصبح يشكو الناس في الشعر جامعاًشكاية مسلوب وتسليط سالب
فلا تحرمنّي كي تجدّ عجيبةًلقوم فحسب الناس ماضي العجائب
ولا تنتقص من قدر حظّي إقامتيسألتك بالداعين بين الأخاشب
وما اعتقلتني رغبة عنك يمّمتسواك ولكن أيّ رهبة راهب
كأني أرى بالظعن طعن مطاعنوبالضرب في الأقطار ضرب مضارب
وليس جزائي أن أخيب لأننيجبنت ولم أخلق عتاد محارب
يطالب بالإقدام من عدّ محرباًوسمّي مذ ناغى بقود المقانب
ولم يمش قيد الشبر إلا وفوقهعصائب طير تهتدي بعصائب
فأمّا فتىً ذو حكمة وبلاغةفطالبه بالتسديد وسط المخاطب
أثبني ورفّهني وأجزل مثوبتيوثابر على إدرار برّي وواظب
لتأتيني جدواك وهي سليمةمن العيب ما فيها اعتلال لعائب
أثقّل إدلالي لتحمل ثقلهبطوع المراضي لا بكره المغاضب
وما طلب الرّفد الهنيء ببدعةولا عجب المسترفديه بعاجب
وذاك مزيد في معاليك كلّهوفي صدق هاتيك القوافي السوارب
وما حقّ باغيك المزيد انتقاصهولاسيما والمال جمّ الحلائب
وأنت الذي يضحي وأدنى عطائهبلوغ الأماني بل قضاء المآرب
وتوزن بالأموال آمال وفدهوإرفاد قوم بالظنون الكواذب
أقمت لكي تزداد نعماك نعمةًوتغنى بوجه ناضر غير شاحب
وكي لا يقول القائلون أثابهوعاقبه والقول جمّ المشاعب
وصوني عن التهجين عرفك موجبمزيدك لي في الرفد يا ابن المرازب
بوجهك أضحى كلّ شيء منوراًوأبرز وجهاً ضاحكاً غير قاطب
فلا تبتذله في المغاضب ظالماًفلم تؤت وجهاً مثله للمغاضب
نشرت على الدنيا شعاعاً أضاءهاوكانت ظلاماً مدلهمّ الغياهب
كأنك تلقاء الخليقة كلّهامشارق شمس أشرقت لمغارب
ليهن فتىً أطراك أن نال سؤلهلديك وأن لم يحتقب وزر كاذب
رضا اللّه في تلك الحقائب والغنىجميعاً ألا فوزاً لتلك الحقائب
كأني أراني قائلاً إن أعاننينداك على ريب الخطوب الروائب
جزيت العلا من مستغاث أجابنيجواب ضحوك البرق داني الهيادب
وفي مستماحي العرف بارق خلّبولامع رقراق ونار حباحب
تسحّبت في شعري ولان لجلدتيثراه فما استخشنت مسّ المساحب
وليس عجيباً أن ينوب تكرّمغذيت به عن آمل لك غائب
أقمه مقامي ناطقاً بمدائحيلديك وقد صدّرتها بالمناسب
ذمامي ترعى لا ذمام سفينةوحقّي لا حقّ القلاص الذّعالب
وفي الناس أيقاظ لكل كريمةكأنهم العقبان فوق المراقب
يراعون أمثالي فيستنقذونهموهم في كروب جمّة وذباذب
إلى اللّه أشكو غمّةً لا صباحهاينير ولا تنجاب عني بجائب
نشوب الشّجا في الحلق لا هو سائغولا هو ملفوظ كذا كلّ ناشب
المقالات المتعلقة بدع اللوم إن اللوم عون النوائب لابن الرومي