خطبة الوداع توجّه النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام إلى مكّة المكرّمة في شهر ذي القعدة من السّنة العاشرة للهجرة من أجل تأدية مناسك الحجّة الأولى والأخيرة له، وقد اصطحب عليه الصّلاة والسّلام ما يقارب مائة ألف صحابي في هذه الرّحلة المباركة واستخلف على المدينة المنوّرة الصّحابي الجليل أبو دجانة، وفي هذه الحجّة المباركة التي كانت آخر عهد الصّحابة بنبيّهم وقف عليه الصّلاة والسّلام على جبل عرفات في يوم عرفة المبارك ليخطب في المسلمين خطبةً عصماء كان فيها الكثير من المواعظ والدّروس والعبر، فما هي تلك الخطبة الشّهيرة ؟ وما هي الدّروس والعبر المستفادة منها ؟
خطب النّبي عليه الصّلاة والسّلام يوم عرفة خطبة الوداع التي سمّيت بذلك؛ لأنها كانت آخر خطبةٍ للنّبي الكريم، حيث ألمح فيها إلى احتماليّة أن لا يلتقي بالمسلمين بعدها في نفس السّنة وفي نفس الموقف، وقد أنزلت في هذه اليوم المبارك آياتٍ تتلى إلى يوم القيامة تدلّ على إكمال الدّين وتبليغ الرّسالة، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ) [المائدة:3] .
دروس وعبر مستفادة من خطبة الوداع - التّأكيد على حرمة الدّماء المصانة شرعاً، فقد أكّد النّبي عليه الصّلاة والسّلام على حرمة الدّم المسلم وحرمة أمواله وعرضه.
- تحريم عادات الجاهليّة وأخلاقها المذمومة، فقد حرّم النّبي عليه الصّلاة والسّلام الرّبا الذي كان أهل الجاهليّة يتعاملون به، وما يسبّبه من شحناء وبغضاء، كما أبطل عادات الثّأر والانتقام التي اشتهرت في الجاهليّة.
- التّوصية في النّساء خيراً، فقد أكّد النّبي عليه الصّلاة والسّلام في هذه الخطبة المباركة على حسن التّعامل مع النّساء لضعفهنّ، مبيناً ما لهنّ وما عليهنّ.
- التّحذير من الفتن بين المسلمين، فقد حذّر النّبي المسلمين من أن يرجعوا بعده كما كان حالهم في الجاهليّة حينما كانوا يستحلّون الدّماء ولا يراعون حرمتها، ويضربون رقاب بعضهم من أجل تحقيق مصالح دنيويّة فانية.
- التّأكيد على المساواة بين المسلمين جميعاً، وأنّه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا غنيّ ولا فقيرٍ إلاّ بمعيارٍ واحد وهو معيار التّقوى والصّلاح.
- التّوصية بالتّمسك بكتاب الله تعالى وسنّة نبيّه عليه الصّلاة والسّلام، فقد ترك النّبي الكريم الثّقلين وهما كتاب الله والسّنّة الضّامنين لمن تمسّك بهما الهداية والرّشاد بعيداً عن الغواية والضّلال، كما ورد في رواياتٍ أخرى أنّه أوصى المسلمين بأهل بيته وعترته الشّريفة؛ وما ذلك إلاّ لأنّه يعلم أنّه سوف يتعرّض كثيرٌ من أهل بيته بعده للقتل والتّشريد، كما حصل مع الحسين رضي الله عنه في كربلاء.