الذاكرة والنسيان

إن من أهم الأجزاء والأركان في العقل البشري هو الذاكرة، فبوجودها يكون لنا كياننا وحياتنا وقوتنا، ومن دونها نكون أجساداً بلا هوية، فارغين من كل شيء، بمفهوم آخر، من دون ذاكرة لا نكون نحن، فلا يمكن لأمر أن يمر علينا في حياتنا إلّا وتسجله الذاكرة، وتصقل من خلال ذلك معالم حياتنا وإدراكنا، ولا يمكن للإنسان التعلم من دون الذاكرة، فهي تقوم بتسجيل ما نحصل عليه من معلومات، لكي نسترجعه مرة أخرى.

لقد تعددت التعريفات للذاكرة، فمنهم من يقول بأنها العملية التي تحفظ المعرفة على مر الزمن، ومنهم من يصفها بالوعاء الحي الذي تستقر به المعلومة ويتعرف عليها العقل، ولكن، لقد اتفق العلماء على تعريف بسيط التكوين للذاكرة، وهو أنها القدرة على تذكر التواريخ والوجوه والحقائق والمعلومات والأشكال والمعطيات.

هنالك الكثير من الأمور الخاطئة التي يتداولها البشر بينهم عن الذاكرة، كأن يقول أحدهم عن الآخر بأن ذاكرته ضعيفة، وهذا فهم غير صحيح، لا يوجد ذاكرة ضعيفة أو قوية، بل يوجد ذاكرة مدربة وغير مدربة، فالذاكرة المدربة قادرة على استرجاع المعلومات التي قامت بحفظها بطريقة معينة تعودت عليها واكتسبتها من خلال التدريب، أما الذاكرة غير المدربة فإن قدرتها على استرجاع المعلومات المخزنة ضعيفة، فالذاكرة تخزن كل شيء وتحتفظ به في حجراتها الواسعة القادرة على استيعاب معلومات هائلة، والدليل على ذلك هو أن من يدّعي نسيانه لشيء، سيتذكره عندما تريهِ صورته أو شكله، فهنا يقع الضعف في القدرة على الاسترجاع، وهذه مهارة تقوّى من خلال التدريب.

عند الكثير من العلماء يعرف النسيان على أنه ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلبه، وإما عن قصد، وإما عن غفلة، والنسيان هو عكس التذكر، وللنسيان مسببات كثيرة تحول دون تذكر الشخص أمراً معيناً أو حدثاً مر في حياته، أو حتى فقدان كامل المعلومات التي مرت في حياتنا على اختلاف أهميتها.

تتعدد أسباب النسيان، فلا شيء محدد يوصل الإنسان للنسيان، وإنما هي عوامل وأسباب كثيرة، قد تؤدي إلى النسيان، ومنها أن يمر الانسان بحادث يُدخله في صدمة تنسيه كل شيء حدث في السابق، أو تجعله يتذكر الحادث فقط، ومنها أن يصاب في رأسه، كارتجاج في المخ، ومنها أن يفقد التركيز وأن يكون عقله وقلبه مشغوليْن بشيء آخر، ومنها أيضاً سوء التغذية، والشيخوخة لها دور كبير أيضاً، وهنالك أسبابٌ وراثية لا يمكن لنا أن ننكرها.