محمد الفاتح هو سابع سلاطين الدّولة العثمانية الذي اشتهر في جميع أنحاء العالم آنذاك بالفتوحات التي قام بها والتّوسع الكبير للدّولة الإسلامية في عصره، فهو من قام بالقضاء على الدّولة البيزنطية بعد حكمِها الطّويل، وهو ما اعتبره العديد من المؤرخين النّقطة الانتقالية من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة.
بداية حياتهولد محمّد الفاتح في عام 1429م لأبيه السلطان مراد الثّاني وأمّه خديجة خاتون في مدينة أردنة التي كانت عاصمة الدّولة العثمانيّة آنذاك، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره بعثه والده إلى أماسيا ليحكمها في عهده، كما كانت العادة الجارية في الدّولة العثمانيّة، فبذلك يتعلم الطّفل الحكم ويتربّى على تعاليم الإسلام والقرآن الكريم من خلال المعلّمين الذين يبعث بهم والده إليه، فتَعَلَّم القرآن على يد المولى أحمد بن اسماعيل الكوراني، فكان له وللشيخ آق شمس الدين الأثر الكبير في صقل شخصيّة محمّد الفاتح وإخباره بأنّه هو من سيفتح القسطنطينيّة التي فشلت المحاولات جميعها خلال الدّولة الإسلامية في فتحها من قبله.
وعندما بلغ محمد الفاتح من العمر أربعة عشر عاماً تخلّى والده مراد الثّاني عن العرش إليه بعدما توفّي أكبر أولاده علاء الدين، وهاجر إلى ولاية أيدين ليختلي بنفسه، ولكن ما إن هاجر مراد الثّاني حتّى غدر المَجَرّ بالدّولة العثمانيّة وأغاروا على البلغار ناقضين بذلك الهدنة التي كانت بينهم، فطلب السّلطان محمد الثاني من والده الرّجوع إلى العرش أو قيادة الجيش خوفاً من المعركة مع المَجَر، فقاد الجيش في معركة فارنا وعاد إلى أدرنة لتأديب القادة الذين استصغروا السّلطان محمد الفاتح وعصوا أوامره ونهبوا المدينة، فعاد السّلطان مراد الثّاني للحكم مرةً أخرى وأشغل القادة بحروب اليونان، حتى توفي عام 1451م فعاد السّلطان الفاتح محمّد الثّاني واعتلى العرش مرةً أخرى.
فتح القُسطنطينيّةوأمّا بعد تولّي السّلطان محمّد الفاتح الحكم مرةً أخرى بدأ بالاستعداد والتّحضير لفتح القسطنطينيّة، وهي أعظم ما قام به، فقد كأراد أن يكون هو صاحب حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الذي قال فيه:” لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ”، فجهّز الجيشَ بالجند و العُدّة كاملةً حتى أصبح عددهم يقارب الرّبع مليون جنديّاً، ودربهم تدريباً بدنيّاً ومعنويّاً كاملاً من أجل الفتح الكبير، وبدأ بتحصين مضيق البوسفور لمنع السّفن من الوصول إلى القُسطنطينيّة لدعمها، كما عقد المعاهدات مع أعدائه ليتفرَّغ لمحاربة عدوٍ واحدٍ فقط.
وقام السّلطان محمّد الفاتح بعدها بالهجوم على القُسطنطينيّة، فمَهَّدَ الطّريق إليها ليتسنّى إصابتها بالمدافع، وصل إليها في السادس من أبريل عام 1453م، فحاصر القُسطنطينيّة من البرِّ والبحر وكشف عن قبر أبي أيوب الأنصاريّ، فواجه خلال الحصار مقاومةً شديدةً خاصّةً من ناحية البحر التي أغلقها البيزنطيون بالسّلاسل الحديدية، فأتى رحمَهُ الله بخطةٍ تتضمَّنُ نقلَ السَفن عبر البر فمَهَّد الطّريق لها ونقلها على ألواحٍ خشبيّةٍ مدهونةٍ بالزّيت والشّحم، وبذلك تجاوز بها السلاسل الحديدية وأكمل الحصار عليها من البرِّ والبحر. استمرّ حصار القُسطنطينيّة 53 يوماً حيث تسلَّقَ الجنود أسوارَها ودخلوها، ودخل السّلطان إليها وأعلن الأمان على أهلها، فدخل منهم عددٌ كبيرٌ في الإسلام بعدما رأوا تسامُحَه معهم وأخلاقُه، وأعطى للمسيحييّن فيها حقوقَهم جميعها، وبهذا حصلَ السّلطان محمّد الثّاني على لقبه ليُعرَف حتى يومنا هذا بمحمّد الفاتح.
حياتهلم تقتصر إنجازات السّلطان على فتح القُسطنطينيّة، بل فتح العديد من البلدان الأُخرى، كالبوسنة وجزر اليونان وآسيا الصُّغرى وألبانيا وحارب المجر والمغول، وكان للسّلطان عددٌ من النّساء التي تزوّج بهنَّ وعددٌ من الأولاد على رأسِهم وليُّ عهده السّلطان بايزيد الثّاني وابنه جم، الذي حصل بينهما نزاعٌ على الخلافة بعد وفاة أبيهما بالسُّم على يد طبيبه يعقوب باشا المولود في إيطاليا والذي ادّعى الهداية والإسلام، فكان فقتلَه بالسم تدريجياً حتى علم بنهاية الأمر حين خرج إلى حملةٍ لم يحدّد وجهتها كعادته، فهو لم يكن يكشف مخطّطاته لأيِّ أحدٍ من قُوَّاته، وعندها زاد يعقوب باشا جرعةَ السُّم، ويرجّح المؤرخون أن الحملةَ كانت خارجةً لإيطاليا، وعندما عرف حرس الإمبراطور بأمر يعقوب باشا قاموا بإعدامه فوراً، فدُفِن السّلطان في جامعٍ في الأسِتَانة، وبقي حتّى بعد موتِه أحدَ القامات الكبيرة في العالم الإسلاميّ، والذي ما زال جميع المسلمين يعتزُّون ويفخرون به حتى وقتنا الحالي.
المقالات المتعلقة بمن هو محمد الفاتح