ممّا تميّزت به حضارتنا العربيّة والإسلاميّة وخاصّة في بواكير نشأتها وذروة نهضتها أنّها كانت أكثر حضارةً ذخرت بالعديد من المؤلفات في مجالات العلوم المتنوّعة وعلى رأس تلك المؤلّفات كانت الكتب الدّينيّة والتّاريخيّة التي ملأت المكتبة الإسلاميّة وشكّلت إلى وقتنا الحاضر أهمّ المراجع التي يرجع إليها الباحثون وطلبة العلم الشّرعي بل وعامّة المسلمين، ومن بين تلك الكتب النّفسية والمؤلفات المهمّة برز كتاب الأمام النووي الموسوم بـ (رياض الصّالحين من كلام سيّد المرسلين )، فمن هو مؤلف هذا الكتب النّفيس؟ وما هو محتواه؟
ولد الإمام محيي الدّين يحيى بن شرف بن مرّي في بلدة نوى في جنوب بلاد الشّام في سنة ستمائة وواحد وثلاثين للهجرة، وقد نشأ إمامنا في بيتٍ يحبّ العلم ويوقّر العلماء، وقد حرص والده الذي كان يعمل في التّجارة ويملك دكانًا خاصًّا به على أن يربّيه التّربية الصّالحة وأن يحمّله المسؤوليّة من خلال إشراكه في التّجارة والعمل، وعلى الرّغم من ذلك لم ينشغل النّووي عن طلب العلم والقرآن الكريم الذي أتمّ حفظه عندما ناهز الحلم.
عندما بلغ الإمام النّووي سن الثّامنة عشر ترك بلدته نوى وسافر إلى دمشق عاصمة العلم والثّقافة حينئذ، وفي دمشق تتلمذ الإمام النّووي على يد عددٍ من العلماء والمشايخ وخاصّة علماء المذهب الشّافعي حتّى صار بعد ذلك شيخ المذهب بلا منازع، وقد كلّف برئاسة دار الحديث الأشرفيّة التي كانت تُعنى بتدريس الطّلبة العلم الشّرعي وعلوم الحديث.
كانَ الإمام النووي رجلاً عفيفًا زاهدًا ورعًا بشهادة كثيرٍ من العلماء مثل ابن كثير والإمام الذهبي وابن العطّار، كما كان فقيهًا محدّثًا لغويًّا لا يشقّ له غبار، وهو إضافة إلى علمه الغزير وفقهه النّادر كان يحرص على نصيحة الحاكم و الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ولقد وقف وقفة رجل صادقٍ حينما نصح الحاكم الظّاهر بيبرس وخاصّةً عندما أراد أن يستولي على بساتين الغوطة قرب دمشق، كما رفض موافقة السّلطان في أخذ المال من الرعيّة من أجل تجهيز الجيوش لمحاربة التّتار حتّى يتحلّل السلطان من الجاه والمال الزّائد الذي عنده.
ألّف الإمام النّووي كثيراً من المؤلّفات وفي مجالات مختلفة في الفقة واللّغة والحديث الشّريف، وقد كان من بين أبرز كتبه كتاب سمّاه رياض الصّالحين من كلام خير المرسلين، وهو كتاب نفيس جمع فيه ألف وتسعمائة وأربعة أحاديث ممّا صحّ سندها عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام، والكتاب إلى الآن يُشكّل مرجعًا مهمًّا وأنيسًا ممتعًا لطلبة العلم وعامّة المسلمين.
المقالات المتعلقة بمن هو مؤلف كتاب رياض الصالحين