الوطن بقعة الأرض التي عليها نعيش مع من تجمعنا بهم روابط مشتركة، من الدين واللغة، والعادات، والتقاليد، والثقافة، وجذور من كل ذلك تضرب في قيعان الصخر، وتخترقه إلى أعماق الأعماق، من كانت هذه قواسم المشتركة على أرضهم، وتجمعت هذه العناصر توحدهم، تتبلور وتختمر في قلوبهم عاطفة حبّ الوطن، لتنسجم مع غريزة أبديّة، تبلورها نزعة صراع البقاء، وعندما تكون بعصارة القيم والعادات والتقاليد واللغة والتاريخ المشترك، يكون وقعها أقوى، وأثرها أشد، فحبّ الوطن من الإيمان، ومن شيم الحضارة والرفعة.
ما يُترجم به حبّ الوطنحبّ الوطن ليس شعاراً تلوكه الألسن، ولا دروساً تلقن للطلاب، ولا سلاماً وطنياً يفتتح به اليوم الدراسي ويكتفي بذلك، وإنما فوق كل ذلك بكثير، حبّ الوطن عقيدةٌ، وانتماء، وبوتقة عطاء، وتضحية، وفداء، وعِلمٌ، ونظافة، وتشجير أرض، وغرس قيم، واعتزازٌ بتراث، وزد عليه أنه ذود عن حياضه، وموت في سبيله، وحب لأهله، وبر بتاريخه، وحب الوطن اعتزاز بحضارة، وبرسالة تلك الحضارة.
أرشدنا الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى حب الوطن، فعندما خرج من مكة مهاجراً قال مخاطباً مكة: "والله يا مكة، إنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن اهلك أخرجوني منك ما خرجت"، فحب الوطن كرامة، وبحب الوطن أتقن الشهداء عاطفتهم، فقبّلوا بدمائهم ثرى أراضهم الحبيبة، وتزاحم الأسرى في نيل شرف الانتماء فغصت بهم السجون والمعتقلات، وتبارز طلاب العلم في ميادين العلم والمعرفة، فكان الطبيب والمهندس، والوزير.
خطر ترك حب الوطنوأيّما إنسان تجرد قلبه من عاطفة حب الوطن، وتجرد سلوكه من أبجديات الانتماء للوطن فقد سقطت من عينيه قيم الحياء، وخلت نفسه من معاني الكرامة، فتجّرع مرارة الذل، وانسلخ من صلته بمواطن العز، فهو عاقٌّ لأرضه التي ضمته، ولأمته التي أنجبته، ويستوي وجوده من عدمه، بل هو ميت في صورة حي، وإن أكل أو شرب فثمةَ من يقاسمه ذلك مَن فاقه في حبه لأرضه، ويطيب المقام هنا عن ذكره، فعاطفة حب مكان العيش والسكن، ربما تنافسنا فيها الوحوش والأسود، وكرام البهائم، فهي تنتمي لأرضها ومكان عيشها، وعنها تذود فاسألوا الأسد في عرينه يجبكم، وإن تجرأتم، فاقتحموه عليه يعلمكم حب الوطن كيف يكون.
أمم خلد التاريخ ذكرها بحبها للأوطان، وحضارات ارتفع صيتها، من بين أشجار الأوطان، ومن باطن أرضها أخرجت ما تبني به وجودها، وتعمّر به كيانها، والأمم الحية من لأرضها انتمت، وبتاريخها اعتزت، وتعلمت أبجديات الانتماء للوطن، فلله درك أيها الفارس والجنديّ، والمقاتل، لله درك من بأرضك، ووطنك أرسلت جذورك.
المقالات المتعلقة بمعلومات عن حب الوطن