أنزل الله تعالى القرآن الكريم بمئةٍ وأربع عشرة سورة، جاءت ستّ سورٍ منهم فقط بأسماء أنبياءٍ كرّمهم الله -سبحانه وتعالى-، وخصّهم، واصطفاهم بعطائه ورحمته، وهذه السّور هي سورة يونس، وسورة هود، وسورة يوسف، وسورة إبراهيم، وسورة محمّد، وسورة نوح، وجاءت سورةٌ أُخرى على ذكر عددٍ كبير من الأنبياء، وسمِّيت باسمهم وهي سورة الأنبياء. تتناول هذه المقالة إحدى هذه السّور، وهي سورة يوسف؛ للتّعريف بها، متى نزلت، ما سبب نزولها، وأبرز ما جاءت عليه السّورة من أحداث.
سورة يوسف من السّور المكِّية، نزلت بعد سورة هود وقبل سورة الحجر، وهي السّورة الثّالثة والخمسون في ترتيب نزول السّور على النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بحسب قول جمهور المُفسِّرين، والسّورة الثّانية عشرة في ترتيب المُصحف الشّريف، في الجزء الثّالث عشر، والحزبين الرّابع والعشرين والخامس والعشرين منه، عدد آياتها مئةٌ وإحدى عشرة آيةً، وسبب تسميتها بهذا الاسم واضح؛ إذ إنَّها في كاملها تناولت قصّة يوسف -عليه السّلام-، وورد ذكره في آياتها أكثر من خمسٍ وعشرين مرّةً، ولم تذكر قصّة نبيّ من الأنبياء في القرآن بهذه الصّورة من الإسهاب والاستطراد كما ذُكِرَت قصّة يوسف -عليه السّلام-، كما أنَّ قصص الأنبياء الآخرين -عليهم السّلام- جاءت مُفرّقةً في سور القرآن الكريم، في حين لم ترد قصّة يوسف -عليه السّلام- إلا في سورة يوسف في نَسَقٍ واحدٍ مُتواصل.[١]
ورد أنَّ سورة يوسف نزلت في مكَّة، وتحديداً في عام الحزن؛ أي العام العاشر لبعثة النّبي -عليه الصّلاة والسّلام-، وهو العام الذي تُوفّي فيه أقرب النَّاس إليه -عليه الصّلاة والسّلام-؛ زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وعمُّه أبو طالب، فحزن -عليه الصّلاة والسّلام- على وفاتهم؛ لفقده من يُواسيه ويُسانده ويُخفّف عنه، فأنزل الله تعالى سورة يوسف بما فيها من أحداثٍ جِسامٍ أصابت نبيّ الله يعقوب وابنه النبيّ يوسف -عليهما السّلام-؛ لتكون مؤنسةً ومواسيةً له، ومُخفِّفةً عنه في مُصابه بفقد زوجته وعمّه، وما يُلاقيه من قومه من إعراضٍ وإيذاء، ليُطمئِنه، ويُذكِّره بالأنبياء السّابقين وما حلَّ بهم من بلاءٍ ومِحنٍ، وكيف فَرَّج الله تعالى عنهم وأعانهم، فكانت سورة يوسف بأحداثها سلواناً ومواساةً لكلِّ محزون، كما قال أحد التّابعين وهو عطاء بن رباح: (ما استمع أحد إلى سورة يوسف إلا استراح وخرج ما به من همّ ومن غمّ).[٢]
وردت الرّوايات في أسباب نزول سورة يوسف؛ فذكر القرطبيّ في تفسيره أنَّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يسألونه عن يوسف -عليه السّلام- وقصّته، فأنزل الله تعالى سورة يوسف،[٣] كما رُوِيَ عن سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- في قول الله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)،[٤] أنَّه قال: (أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) إِلَى قَوْلِهِ: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)).[٥]
جاءت سورة يوسف من بدايتها إلى ختامها مُبيِّنةً لقصّة نبيّ الله يوسف -عليه السّلام- بمحاورها وأحداثها المُتعددَّة، بأسلوبٍ قصصيّ بديع وبليغ، يحوي من العِبر والدّروس الكثير ممّا أورده المُفسّرون في ثنايا تفسيرهم لآيات السّورة الكريمة. بدأت السّورة بالرّؤية التي رأها نبيّ الله يوسف -عليه السّلام- وحدَّث بها والده النبيّ يعقوب -عليه السّلام-، مروراً بمكيدة إخوة يوسف له وتآمرهم عليه بإلقائه في البئر والتقاطه منها من قِبل السَيَّارة، وحزن يعقوب -عليه السّلام- على ابنه، وما واجهه يوسف -عليه السّلام- من مراودة امرأة العزيز له، ومَكيدة النّسوة في المدينة، وسجنه ظلماً من قِبَل عزيز مصر، وتفسيره لرُؤى صاحبيه في السّجن ومن ثمَّ رؤيا العزيز، وخروجه من السّجن بعد تمكين الله له وجَعلِه عزيز مصر وحاكماً عليها، وتجدُّد اللقاء بإخوته دون أن يعرفوه، ومن ثمَّ عودتهم مع أبيهم يعقوب -عليه السّلام- إلى يوسف ومُصارحته لإخوته وعفوه عمَّا فعلوه به، وتحقُّق رؤية يوسف التي رآها بسجود والديه وإخوته له.[٦] قال الله تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).[٧]
أورد المُفسّرون القُدماء والمُعاصرون معانٍ ودروساً عدَّةً استفادوها من بين آيات السّورة وثنايا قصة نبي الله يوسف -عليه السّلام-، منها:[٨]
المقالات المتعلقة بمتى نزلت سورة يوسف