عندما أمر الله تعالى رسوله الأعظم محمّد – صلى الله عليه وسلم – بتبليغ الرسالة الخاتمة، مرّت الدعوة المحمّدية بالعديد من المراحل، فكانت في البداية دعوة سرية، وقد استمرّت لمدّة ثلاث سنوات، مرّ خلالها المؤمنون بدورة تدريبيّة ربّانية قرآنية محمّدية، استطاعوا من خلالها شحن قواهم ليستطيعوا المضيّ قدماً في المرحلة القادمة التي ستأتيهم، وهي المرحلة الأصعب، فهم سوف يتعرّضون خلالها لأمور لم يكونوا يتصوّرنوها؛ فحجم هذه الدعوة وحجم هذه الأمانة كبير جداً، لهذا فإنّه ينبغي عليهم أن يصبروا ويحتسبوا أجرهم عند الله تعالى.
بعد الفترة التمهيديّة هذه، جهر الرّسول والمؤمنون بالدعوة، وفعلاً بدأ الإيذاء تشتد وطأته عليهم وعلى الرّسول الكريم، فقد تعرّضت جماعة المؤمنين بمن فيهم رسول الله لأشد أنواع الأذى، مع أخذ الكفّار بعين الاعتبار طبيعة الشّخص الذي أمامهم، فمثلاً لم يستطع أحد منهم أن ينبس ببنت شفة مع أكابر قريش وأعلاهم نسباً ممّن آمنوا بالرسالة الوليدة، ومع هذا فقد أوذي الجميع، ولكن كلٌّ حسب مرتبته، ولعلّ أكثر من ذاق وبال كفار قريش وحنقهم على دعوة الرسول، هم ممّن كانوا يعتبرون عند قريش من صغار الناس وأدناهم حسباً، إلّا أنّ الإسلام عندما جاء رفع من قيمتهم وجعل الناس جميعهم سواسية، وربما يكون هذا الأمر هو الّذي أظهر مقدار الغضب هذا كلّه من قريش. ولعلّ قصّة آل ياسر وكيف قتلت أوّل شهيدة في الإسلام سميّة بنت الخياط والدة عمار بن ياسر هي خير دليل على مقدار العذاب الذي لاقاه المسلمون آنذاك.
بعد هذا العذاب كلّه مرّ المسلمون في مراحل أخرى منها: الهجرة إلى الحبشة، ومقاطعة بني هاشم، والمحاصرة في الشعب، ووفاة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد التي كانت تدعم الدعوة الإسلامية بالمال، ووفاة عمّ الرسول أبو طالب الّذي كان يدافع عن الرسول، وطرد الرسول الأعظم من الطائف وإيذاؤه هناك، والعديد من الأحداث الأخرى، كانت الأحداث كلّها تتسلسل وتقود المسلمين إلى حلٍّ أخير لا بدّ منه وهو هجرة مكة المكرمة.
بيعة العقبة الأولىبدأ الرسول بعرض نفسه على كافّة القبائل مستثمراً مواسم الحج، وكان يهدف من هذه الخطوة إلى اللجوء إلى قبيلة أخرى غير مكّة المكرمة، فبعد عدة محاولات لم تتم مع قبائل عربيّة متعدّدة، وافق أهل يثرب على استضافة الرسول والدفاع عنه ونصرته؛ ففي العام 11 من البعثة، قدم على مكّة وفد من قبيلتي الأوس والخزرج فسمعوا من الرسول الأعظم وعادوا إلى مدينتهم مؤمنين، وفي العام 12 من البعثة عادوا ومعهم جماعة أكبر من قومهم كانوا قد دخلوا في الدين الجديد معهم، وبايعوا الرسول الأعظم بيعة العقبة الأولى، وأرسل الرسول معهم مصعب بن عمير ليعلم إخوانه الدين، ويقوم بواجب الدعوة في يثرب، وقد انتشر الإسلام في ذلك الوقت انتشاراً كبيراً جداً غير متوقع.
بيعة العقبة الثانيةهي بيعة أهل يثرب للرّسول الأعظم في العام التالي الّذي ولى عام بيعة العقبة الأولى، فقد بايع وفد يثرب الرسول الأعظم بيعة العقبة الثانية في العام 13 من البعثة. وكان وفد المبايعين يتكوّن من 73 رجلاً وامرأتان، وكانت بيعتهم له على حمايته والدفاع عنه وعن الإسلام، كما يحمون عائلاتهم وأنفسهم، مقابل أن تكون الجنّة لهم. وقد كانت هذه البيعة فاتحة عهدٍ جديد بين الطرفين، وفاتحة عهد جديدٍ لدين الله تعالى.
المقالات المتعلقة بمتى كانت بيعة العقبة الثانية