يتميز الإنسان عن بقية الأحياء بأنه كائن عاقل وشعوري بشكل كامل، فالحيوانات مثلاً من الممكن أن تمتلك تفكيراً بسيطاً أو بضعة مشاعر ولكن على عكس الإنسان فهي لا تتخذ هاتان الخاصيتان للتفاعل مع الحياة ، بل يقتصر تفاعلها على الغريزة وتجليات قليلة جداً لتفكير ما بسيط أو ظهور تفاعل شعوري ما ، بينما الإنسان له بنية شعورية عقلية غريزية ، يتم التفاوت بين تلك الخصائص حسب الحال والظرف .
ولا تكون إحدى هذه الخصائص موجودة إطلاقا دون الأخرى، بل الفرق بإن أحدها تطغي نسبياً على غيرها ، فمثلاً لا يمكن لإنسان أن يشعر بالخوف دون التفكير بما يخيفه أو تخليه وبنفس الوقت سيبدي استعداداً للدفاع عن نفسه تجاه الخطر المحدق به، وبهذا يكون قد تفاعل مع الموقف ضمن الثلاث مستويات : الشعور والتفكير والغريزة . داخل كل مستوى من تلك المستويات يوجد تشعبات ودرجات تعدد بداخل كل منها، فالتفكير مثلا يجمع الخيال، والتذكر، والتركيز، والربط، والتحليل، والتفكيك، والجمع وغيرها ، بينما يحتوي المستوى الشعوري على مجموعة كبيرة من المشاعر كالخوف، والحزن، والسعادة، والغيرة، والحب، والكره وغيرها . بينما يشتمل المستوى الغريزي بحاجات الإنسان الأساسية، وغير الأساسية ، والأساسية هنا تعني ما يبقيه على قيد الحياة ، بينما غير الأساسية لا تعني غير المهمة بل التي يستطيع العيش دونها ولكنه بحاجة لها .
يصطلح على نسب المستوى الفكري للدماغ بينما ينسب المستوى الشعوري للدماغ والجسد، وينسب المستوى الغريزي للجسد ، من حيث نسبة التواجد على سبيل الكثافة لا الحصر . وعليه فإن مستويين من منظومة الإنسان كما نرى تقع في مجالات معنوية لا مادية على الرغم من تبعيتها للدماغ الذي يكون مسئولاً عن فرز هرمونات تنتج المشاعر والأفكار، ولكن الشعور بها يكون غير مادي بل معنوي على عكس ألم الأسنان مثلاً . وعليه فإنه من الطبيعي أن تنتج مستويات لهذه المشاعر والأفكار ويتم تصنيفها ، حيث نجد أنه يمكن أن يشعر شخص ما بأسى تجاه طفل مضطهد ، هو هنا يكون فقط تعاطف معه، إذا استمر هذا الشعور بالتجلي ، سيصل لمرحلة الشعور بالمسئولية تجاه هذا الطفل ، وهنا من الممكن أن يترجم هذا الشعور لعمل فيقوم بشيء ما لإيقاف الاضطهاد الموجه للطفل ، أو أنه لا يقوم بشي ويكتفي بالشعور، المرحلة الثالثة تأتي بشعوره اتجاه الشعور السابق وردة فعله اتجاهه ، وهنا يأتي دور الضمير . فمثلاً إذا قام بعمل ما لمساعدة الطفل سيشعر بالراحة النفسية ويرضى عن أدائه ، وإن لم يقم بشيء ربما سيشعر بعذاب الضمير ، وهو لوم الذات على تقصيرها في عمل ما لأسباب ذاتية أو غيرها . أو أنه تسبب في أذى ما ، وهنا سيرضخ الإنسان لشعور بالألم المعنوي على نطاق المستوى النفسي يؤرقه ويحد من سعادته وربما يصل به لمستويات عالية من الندم . ويقال أن الشخص الإنساني الذي يكثرت لغيره ، ويقوم بأعماله على أكمل وجه او يبذل جهد لذلك على الأقل ذو ضمير حي ، أي أن ضميره لا يتركه مرتاحاً إزاء تفاعله مع الحياة بطريقة سيئة .
المقالات المتعلقة بما هو عذاب الضمير