جاء الدِّين الإسلاميّ بالهداية للنّاس جميعاً، وقد دعاهم للالتزام بأحكامه وتعاليمه، وعدم معصية الله، وحبّه، وحبّ رسوله، والتقيُّد بأوامرهما، والانتهاء عمّا نهيا عنه، وبناءً على درجة الالتزام بتلك الأوامر، يكون الخضوع لله والانقياد له على درجاتٍ، أُعطِيت كلٌّ منها اسماً خاصاً، وهي: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وقد جاء بيان الفرق بين تلك المصطلحات الثلاث في الحديث النبويّ المشهور عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، والذي يرويه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، حيث يقول: (بينَما نحنُ ذاتَ يومٍ عندَ نبيِّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، إذ طلعَ علَينا رجلٌ شَديدُ بياضِ الثِّيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعرِ، لا يُرى عليْهِ أثرُ السّفر، ولا يعرِفُهُ منّا أحَدٌ، حتَّى جلسَ إلى النّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأسندَ رُكْبتَيهِ إلى رُكْبتيهِ، ووضعَ كفَّيهِ على فَخِذَيهِ، وقالَ: يا مُحمَّدُ، أخبِرْني عنِ الإسلامِ. فقالَ رسول الله صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: الإسلامُ أنْ تشهدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وتقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتيَ الزَّكاةَ، وتَصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليهِ سبيلًا. قالَ: صدقتَ. قالَ: فعجِبنا لَهُ، يسألُهُ ويصدِّقُهُ. قالَ: أخبرني عنِ الإيمانِ. قالَ: الإيمانُ أن تُؤْمِنَ باللَّهِ، وملائِكَتِهِ، وَكُتبِهِ، ورسلِهِ، واليومِ الآخرِ، والقدرِ كلِّهِ؛ خيرِهِ وشرِّه. قالَ: صدَقتَ. قالَ: فأخبِرني عنِ الإحسانِ. قال: أن تعبدَ اللَّهَ كأنَّكَ تَراهُ، فإن لم تَكُن تَراهُ، فإنَّهُ يراكَ...).[١]
معنى الإيمان الإيمان لغةًالإيمان لغةً: مصدر آمنَ يُؤمنُ إيماناً، فهو مؤمنٌ، وهو من الأمن ضدّ الخوف، فهو مشتقٌّ من الأمن الذي يعني القرار والطّمأنينة، ويرتبط معنى الإيمان لغةً بالإيمان الحقيقيّ بأنّه يحصل إذا استقرّ في القلب بمُطلَق التّصديق والانقياد لله سبحانه وتعالى،[٢] ويُعرَّف الإيمان لغةً بعدّة تعريفات؛ فهو التّصديق، أو الثّقة، وقيل: هو الطّمأنينة، وقيل: هو الإقرار، ويُستعمَل لفظ الإيمان في لغة العرب استعمالَين، هما:[٢]
ورد في تعريف الإيمان اصطلاحاً عددٌ من التّعريفات، منها:
جاء ذكر أركان الإيمان مُجمَلاً ومفصّلاً في كتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)،[٩] وقوله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٠] فجعل الله سبحانه وتعالى أركان الإيمان محصورةً في الإيمان والتّصديق الجازم بهذه الأمور، بالإضافة إلى ما نصّت عليه السُّنّة النبويّة على وجه الاستقلال، وعليه يُسمّى من آمن بهذه الأركان مُؤمناً، وسُمِّي من كفر بها أو شيءٍ منها كافِراً؛[١١] حيث قال سبحانه وتعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)،[١٢] وقال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصّحيح حين جاء جبريل عليه السّلام وسأله عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وفيه (... قالَ: أخبرني عنِ الإيمانِ. قالَ: الإيمانُ أن تُؤْمِنَ باللَّهِ، وملائِكَتِهِ، وَكُتبِهِ، ورسلِهِ، واليومِ الآخرِ، والقدرِ كلِّهِ؛ خيرِهِ وشرِّه. قالَ: صدَقتَ...)،[١] وبيان هذه الأركان تفصيلاً حسب ورودها في الآيات والحديث السابقة كما يأتي:
الإيمان باللهيشمل الإيمان بالله الإيمانَ الجازمَ بوجوده سبحانه وتعالى، والإيمان بربوبيَّته وألوهيَّته، وأسمائه جميعها، وصفاته كلّها، وأنَّه جلّ شأنه متَّصِفٌ بكلِّ صفات الكمال التي تليق به، وأنه مُنَزَّهٌ عن كلِّ نقصٍ يُنسَبُ إلى غيره من البشر وغيرهم، فيجب توحيد الله، وتقديسه بربوبيَّته، وألوهيَّته، وأسمائه، وصفاته، وتوحيد الربوبيَّة يعني: الإقرار بأنَّه واحدٌ في أفعاله، لا شريك له فيها، فليس غيرُه خالقاً وليس غيره رازقاً وليس غيره مُحيِياً، وليس غيره مُميتاً، وأنّ بيده وحدَه تدبيرَ الأمور، والتصرّف في الكون، وغير ذلك مِمَّا يتعلَّق بربوبيَّته، وتوحيد الألوهيَّة يعني: توحيد الله جلّ وعلا بأفعال العباد، مثل: الدّعاء، والخوف، والرَّجاء، والتوكُّل، والاستعاذة، والاستغاثة، والاستعانة، والذَّبح، والنَّذر، وغيرها من أنواع العبادة التي يجب إفراده بها، فلا يُصرَف منها شيءٌ لغيره، ولو كان ملَكاً مقرَّباً أو نبيّاً مرسَلاً، وأمَّا توحيد الأسماء والصفات فالمقصود به: إثبات كلِّ ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه، أو أثبته له رسوله المُصطفى صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء والصّفات على وجهٍ يليق بجلاله، وتنزيهه عن كلِّ ما لا يليق به؛[١٣] حيث قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).[١٤]
الإيمان بالملائكةيتضمّن الإيمان بالملائكة الإيمانَ بأنّهم خلقٌ من خلق الله، ليسوا آلهةً، ووصفهم بأنّهم عباد مُكرَمون، ومنهم الموكَلون بحمل عرش الرّحمن، ومنهم من أُوكِل بالجنّة والنّار، ومن أُوكل بحفظ أعمال العباد وإحصائها، ومن الإيمان بهم كذلك الإيمان بما ورد من أسمائهم عن الله ورسوله، مثل: جبريل، وميكائيل، ومالك خازن النَّار، وإسرافيل الموكَل بالنّفخ في الصُّور، وغيرهم ممّا جاء فيه نصٌّ صحيح، وأنّ الموت عليهم جائزٌ، إنّما أخّرهم الله لأجلٍ هو به عليم.[١٥]
الإيمان بالكتب السماويّةينبغي التّصديق بالكتب السّماويّة، والإيمان الجازم بوجودها جميعها على أصلها الذي نزلت فيه، ولا يكفي التّصديق الجازم بالقرآن الكريم بالذّات بل لا بدّ مع ذلك من الأخذ به، والعمل بما أمر به، وتَرْك ما نهى عنه،[١٦] وذلك لقوله تعالى: (المۤصۤ*كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ*اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ).[١٧]
الإيمان بالرُّسُل والأنبياءيقتضي الإيمان بالرُّسُل والأنبياء التّصديقَ الجازمَ بأنّ الله سبحانه وتعالى قد بعث في كلّ أمةٍ رسولاً؛ ليدعوهم ويهديهم إلى عبادة الله وحده، وأنّه لا شريك له، ويأمرهم بالكفر بما يعبدون من دون الله، وأنّ الرُّسل والأنبياء جميعهم صادقون أتقياء أُمناء هداة مُهتَدون، أيّدهم الله بالبراهين الظّاهرة والآيات الباهرة، وأنّهم أدّوا وبَلَّغوا ما أُرسِلوا به من الله عزَّ وجلّ ولأجله جميعه، وأنّهم لم يكتموا منه حرفاً واحداً، ولم يغيّروا فيه شطرَ كلمةٍ، ولم يزيدوا فيه كذلك شيئاً من عند أنفسهم، وأنّهم جميعهم كانوا على الحقّ والهُدى، وأنّ الله تعالى قد اتّخذ إبراهيم خليلاً، ومحمّداً صلّى الله عليه وسلّم خليلاً، وكلّم موسى تكليماً، ورفع إدريس مكاناً خاصّاً رفيعاً كما جاء في كتابه العزيز، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وأنّ الله تعالى فضّل بعض الأنبياء على بعضٍ، ورفع بعضهم على بعضٍ درجاتٍ.[١٨]
الإيمان باليوم الآخرالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بكلّ ما أخبر عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وثبتت صحّته ممّا يكون بعد الموت؛ من عذاب القبر إلى البعث والنشور، ثمّ الجنّة والنّار.[١٩]
الإيمان بالقدرالقدر هو ما قدَّرَه الله تعالى وقضاه على عباده جميعاً في علمه الأزليّ؛ ممّا لا يملكون ولا يستطيعون صرفَه أو دفعَه عنهم، أو عمّن يحبّون، فيجب الإيمان بأنّ كلّ ما قضاه الله وقدّره كان بحُكمِه، وكلّ ما أصاب العبدَ فإنّما هو بتقديرٍ من الله.[٢٠]
المراجعالمقالات المتعلقة بما هو الإيمان