عند الإجابة على هذا السؤال يجب الانتباه إلى كلمة بناه؛ لأنّ أوّل شيء بناه الله (أمر بوجوده) يختلف عن أول شيء خلقه الله (أوجده بنفسه، بيديه)، فأوّل شيء بناه الله هو السماء، وقوله تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ". فكلمة (بأيدٍ) أي بقوّة وإحكام، وكما قال ابن منظور-صاحب معجم لسان العرب-: "الأيدُ والآدُ جميعاً القوة، وقوله عزّ وجلّ (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) أي ذا القوة".
أمّا قوله تعالى: "وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" فقد ورد من المفسرين أكثر من معنى، وفي قوله (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) خمسة أقوال: أحدها: لموسعون الرزق بالمطر، قاله الحسن، والثاني: قاله ابن زيد: لموسعون السماء، فهي في اتساع مستمر دون توقف، والثالث: لقادرون، وقاله ابن قتيبة، والرابع: حيث قاله الزجاج، لموسعون ما بين السماء والأرض، أمّا الخامس: لذو سعة لا يضيق عما يريد، وقاله المارودي.
رأي العلملذا فإن علماء المسلمين من أقدمهم لأحدثهم، فهموا من هذه الآية الكريمة بأن الكون في توسع مستمر ودائم، وهذا ما أكده العلم التجريبي اليوم، فلما بدأ العلماء يكتشفون الكون اسموه بالفضاء، لأنهم ظنوا بأن الكون مليء بالفراغ، وعندما تطوَرت معلوماتهم واكتشافاتهم ورؤيتهم لنية الكون بدقَة مذهلة، ورأوا نسيجاً كونياً محكماً ومترابطاً، أطلقوا عليه مصطلح جديد وهو( بناء)...
فوجدوا بأن السماء بناء شديد ومحكم، دقيق متماسك ومترابط، وبأنها ليست فراغ كما ظنوا سابقاً، واثبت العلم أن المسافات بين الأجرام السماوية مليئة بغلالة رقيقة جداً من الغازات التي يغلبها عاز الأيدروجين، وينتشر في هذه الغلالة الغازية بعض المواد الصلبة وهي جسيمات متناهية في الصغر، تكون على هيئة غبار دقيق الحبيبات، يغلب تركيبه ذرات الصوديوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والتيتانيوم، والحديد، كذلك جزيئات من بخار الماء، والأمونيا، والفورمالدهايد، وغيرها العديد من المركبات الكيميائية...
إضافة إلى المواد التي تملأ تلك المسافات بين النجوم وأجرام السماء، فإن المجالات المغناطيسية منتشرة بين كل الأجرام السماوية؛ لتربط بينها في ذلك البناء المحكم الدقيق، متماسك الأطراف، وهذه الحقائق أدركها العلماء أخيراً في القرن العشرين، بل في سنوات القرن الأخيرة، فسبحان من يسبح بحمده ما في الأرض والسماء.
أول شيء خلقه اللهأمّا بالنسبة لأول شيء خلقه الله، فقد اختلف العلماء في ذلك، كما يجب التنويه إلى أن هذا الأمر لم يذكر بشكل واضح لا في القرآن ولا في السنة، فما من دليل لأول ما خلق الله تعالى، لا الماء ولا غيره من المخلوقات، وثمة الكثير من الخلافات في أول ما خلق الله من هذا العالَم، والأقوال المعتبرة في المسألة ثلاثة:
المقالات المتعلقة بما هو أول شي بناه الله