مخطئ من يظن أنّ الفنون وليدة العصر الحديث، لقد رافقت الفنون مسيرة الإنسانية، وتطورت بتطورها، وتاثرت بها، لدرجة أنّها أصبحت تستخدم للإستدلال على مكنونات الشعوب النفسيّة، وذلك لأنّها من أهم الوسائل التي يستطيع الإنسان التّعبير بها عن ما يجول في نفسه من أفكار ومشاعر، ونلاحظ هنا أنّ الفنون بأنواعها قد تستخدم للتعبير عن الأفكار وهي نفسها أيضاً قد تعبّر عن المشاعر. إذاً ببساطة لا يمكن الإستغناء عن الفنون بأي شكل من الأشكال، إنّها تجسيد الجمال، ومن يستطيع العيش بدونها فلا بد من الحذر منه.
لا يقتصر الفن على نوع واحد فقط، بل يتعدّاه إلى محيط من الأنواع؛ فالموسيقى فن والرّسم فن والأفلام فن والرقص فن والتمثيل فن والكلام فن والادب فن والخط فن وكل ابداع يجسد فكرة أو إحساساً هو فن.
قد يكون الفن فرديّاً كالرسم وقد يكون جماعياً كصناعة الأفلام وقد يكون فردياً و جماعياً كالموسيقى.
ولنقترب أكثر من الفن الجماعي. إنّ الفن بشكله الجماعي هو بمثابة إعلان عام عن حالة عامّة، فمثلاً يتحد الموسيقيون معاً لتشكيل أوركسترا، لكل واحد دوره الفردي المختلف عن دور زميله الآخر، ولكنّهم معاً يحاولون إيصال فكرة واحدة، وهم بالقطع يحملون في لحظات العزف على الأقل مشاعر واحدة.
الفن الناجح هو الفن غير التقليدي، الذي يبدعه فنان يمتلك أفكاراً غير تقليدية، ويسبح في بحر من المشاعر اللانهائية. فما كانت سيمفونية بيتهوفن التاسعة لتنجح لولا أنّها كانت غير تقليدية في أداءها وغير تقليدية في ما تنقله من مشاعر للمستمع، وأيضاً ما كانت لوحة الموناليزا الشهيرة لولا هذه التناقضات التي تحملها في طياتها فهي لوحة الرجل والانثى، التي تحمل الحزن والسعادة.
السينما أو الفن السابع كما سماها ريتشيتو كانودو الناقد الفرنسي، هي من أروع الأمثلة على فنون العصر الحديث، وقد سمّيت بذلك لأنّها جاءت لتكمل الفنون الستة الموسيقى والعمارة والشعر والنحت والرسم والرقص، إنّها خلاصة الفنون، تضمهم جميعاً، وهي الجمال الذي طمح إليه الإنسان، الجمال الحركي المقترن بالموسيقى أو الشعر ذو الخلفية العمرانية أو الراقصة أو المرسومة، حيث تدمج هذه العناصر بتقنيات مبهرة.
ولكن ما يحدث في العصر الحديث من انحدار نوعي لجميع أنواع الفنون بلا استثناء، ما هو إلا نتيجة انحدار الحالة النفسية الإنسانية في ظل غياب واضح للروح والجمال، وطغيان المادّة على هذه الحياة. فقد أصبح أي ضرب على أيّة آلة موسيقيّة لحناً موسيقيّاً، وأيّة كلمتين توضعان معاً شعراً، وأيّة قصة فيلماً، وأيّة هزّة رقصاً، وأيّة خربشة لوحة.
السيطرة الرأسمالية على الفنون، جرّدتها من مضمونها ومن أهدافها، وحوّلتها إلى آلة لطباعة النقود، كما أدّت إلى انحدار الذائقة العامّة.
الفنون لا يجب أن تكون إلا شعبية، من الشعب وللشعب، لا أن تكون وسيلة دمار كارثية كما يحصل الآن.
المقالات المتعلقة بما مفهوم الفن