في عالم صغير جداً في جسمنا تحدث تفاصيل قصة عجيبة تدعى (الحمل)، أبطالها بويضة واحدة قوية، وملايين الحيوانات المنوية، وتبدأ القصة في عالمين مختلفين في خصية الرجل وفي مبيض المرأة، وتنتهي بالتقاء مقدس بينهما في الرحم.فتعال معي أخي القارئ لنتابع مسير هذه الخلايا الصغيرة من منشأها إلى لحظة حدوث الحمل:
- في جسم الأنثى يحتفل المبيض كل شهر بتكون بويضة جديدة، حيث تنقسم خلايا خاصة تدعى (الأعراس) في عملية تدعى الإنقسام المنصف لتنتج ثلاث خلايا صغيرة تموت قبل نضوجها، وخلية واحدة كبيرة هي البويضة.
- وتنتج هذه الخلية الثمينة -التي تحتوي نصف العدد الأصلي من الكروموسومات للبويضة- في أكياس صغيرة تدعى الحويصلات داخل المبيض وتستقر فيها أربعة عشر يوماً، تُزف بعدها عبر قناة فالوب إلى الرحم.
- ينشر هرمون (الأستروجين) الخبر المفرح بوصول العروس (البويضة) إلى قناة فالوب فيتهيأ الجسم بتغيرات مختلفة لعل أهمّها فرش البساط الأحمر، أي زيادة سمك بطانة الرحم استعداداً لاستقبال نطفة الجنين.
- أمّا في جسم الذكر فيبدأ تكوين الحيوانات المنوية أولاً عندما تقوم الخلايا الأم بعمل عدد من الانقسامات المتساوية لانتاج عدد كبير من الخلايا تنقسم كل خلية منها بعملية الإنقسام المنصف لتنتج 4 خلايا تدعى طلائع منوية، تنضج فيما بعد لتصبح حيوانات منوية يصل عددها إلى حوالي 300 مليون حيوان.
- وتنطلق هذه الأفواج الغفيرة في رحلة طويلة للوصول إلى قناة فالوب لتخصيب البويضة، رحلة تحتاج عدّة ساعات لقطع قرابة 18 سم، وهي مسافة تعادل آلاف الأميال إذا ما قيست بحجم الحيوان المنوي الصغير، وبسبب طول الرحلة وصعوبة الطريق يموت الكثير من الحيوانات في محاولات الوصول ولا يصل إلى قناة فالوب إلا الحيوانات المنوية القوية، وهذه نعمة من الله علينا إذ أنّ عملية التنقيح الطبيعية هذه تعمل على ضمان إنتاج جنين قوي خالي من العيوب تكوّن من أفضل بويضة وأفضل حيوان منوي ممكن.
- لكن مأساة الحيوانت المنوية لا تنتهي عند نهاية الطريق، إذ أنّ الصعوبة القادمة تكمن في اختراق غشاء البويضة المتين، والذي يموت في سبيل اختراقه أعداد أخرى لا تحصى، حتى يتمكن الحيوان النوي الأقوى في المجموعة من اختراقه أخيراً فيخصب البويضة، وتقوم هذه البويضة المخصبة بعمل جدار منيع حولها يمنع دخول أي حيوان آخر .
- وهنا تكون أهم مرحلة قد حصلت، وتنتقل البويضة المخصبة التي تحمل العدد الأصلي من الكروموسومات (نتاج اجتماع خليتين تحمل كل منهما نصف العدد الأصلي) إلى الرحم حيث تلتصق بجدار الرحم المعد مسبقاً في فترة تكون البويضة، وتبدأ عمليات متسلسلة من الانقسام المتساوي لتنتج كتلة لحمية ستكون فيما بعد طفلك الصغير.
- وفي هذه الأثناء يدلّك التغير الهرموني في جسمك على وجود الحمل من عدمه، حيث إنّ الجنين ما زال صغيراً جداً لتشعري به.