كيف اخلي الناس تحبني

كيف اخلي الناس تحبني

ومن منَّا لم يسأل نفسه هذا السؤال ، ولربما يُخيَّلُ إلينا على أعتاب هذهِ الجملة ، أنَّ قلوبَ الناس ممالكُ محصنةٌ ، تحيطُ بها أسوارٌ عالية ، وتغلفها غمامةُ من الأسرار والمجهول ، أو أنَّ هذا العصر أضحى عصر الأقنعة والوجوه ، فلا تتعرف على شخص ؛ حتى تستنكره روحكَ وقلبك ، لكثرة ما وضع على وجهه من ألوان، ولكثره ما إرتدى من أقنعة ، فترى القلب يُحجمُ نفسه عن البشر ، ويستقيل من وظيفته في الحُب والدفء ، ولكنَّ تظلُّ هناكَ قشةٌ ما يتعلقُ بها ؛ لأنَّ الله قد أوجد في قلوب الناس الحب والألفة ، وأوجد لهذهِ الفطرة ترسانتها الخاصة لتحيا بها ، وتواجه جيوشَ الحقد والفرقة ، وتغرس نفسها في الأفئدة والأرواح ، مهما اختلف الناس وتعددت الألوان ، بل وقد جعل اللهُ اللطفَ والرحمة حمامةً بيضاء ، تحملُ الرسائل للناس ، وتلقيها بين أيديهم فقد قال الله في كتابه الكريم : "فبما رحمةٍ من الله لنتَ لهُم * ولو كنتَ فظاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك ". وإنَّني أجد في هذهِ الآية:

المفتاح الأول ؛ لفتحِ الصناديقِ المغلقة على نفسها ،  ولإرسالِ الومضةِ الأولى في العتمة الأبدية ، التي نحيا بها ، فهل يكونُ الإنسانُ إنساناً إذا انسلخَ من الرحمة واللينْ ؟ وهل يفتحُ الناسُ صفحاتِ قلوبهم لشخصٍ فظٍ غليظٍ قاسٍ ؟ ولو أنَّنا قسينا على أنفسنا ؛ لوجدنا أنَّ نفوسنا تسكنُ إلى أولئكَ الرقيقةِ قلوبهم ، الدافئةِ أيديهم ، اللذين يتصدقون بألسنتهم وكلامهم ، عملا بقولِ الرسولْ (صلَّ اللهُ عليهِ وسلمْ) : " الكلمةُ الطيبةُ صدقة " .

وهنا المفتاحُ الثاني ؛ لأنَّ اللسانَ نصلٌ حادْ ؛ فْإمَّا أن نحُدَّ شفرته ؛ لنسلقَ بها الناسَ ونؤذيهم ، وإمَّا أنَّ نُحدَّها لنقطفَ بها وردة ، ونقدمها لهم ، فنرى صاحب الذوق واللباقة يتربعُ في عرشٍ على قلوب الناسِ ، بلا جندٍ ولا حرس .

ولابدَّ للمرء أن يكونَ لوحةً يقفُ الناسُ عندها ، ويتأملونَ جمالها بخشوع ولهفة ، ووحدها الأخلاق ترفع المرء إلى هذهِ المرتبة ، وتُدخلهُ إلى شغف القلوبْ بلا استئذان ، فالصدقُ، والمروءةُ ، والأمانة ، والوفاءُ ، والبرُّ ، والحلمُ ، والاجتهاد . كلها جواهر تزدادُ بريقاً بالنية الصافية ، والعمل الصالح ، وتُكسبُ الإنسانَ شعاعاً ، لا يغيبُ عن أعينُ الناسِ ونفوسهم . ولا يخفى علينا أنَّ الأيدي البيضاءَ الممدودة للخير ، لها في كلِّ وجدانٍ صورةٌ مضيئةٌ ، وعطرٌ لا يزول ، فالخيرُ تجارةٌ لا يخسرُ تجارها ، ومحصولٌ لا يفقرُ زارعهُ ، وأيُّ ذرةِ خيرٍ لا تجدُ عند الناسِ أجراً ، فلها عند الله أجراً لا يزول ولا يُنسى ، ومن منا لا يعرف أنَّ الله إذا أحبَّ عبداً نادى في الملائكة أنهُ يحبه ، فتحبه الملائكة ، ومن ثمَّ يحبهُ أهلُ الأرض ، وأيُّ حبٍ أعظمُ من هذا الحبْ ، فحب الرب يتبعه حب الملائكة ، وحب الناسْ .

 

المقالات المتعلقة بكيف اخلي الناس تحبني