هو علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ورابع الخلفاء الراشدين، أمير المؤمنين، كنيته أبو الحسن القرشي الهاشمي، أمّا أمّه فهي: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي بنت عم أبي طالب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانت ممن هاجر مع النبي، وتوفيت خلال حياته بالمدينة، أما أبناؤه فهم: الحسن، والحسين سبطا رسول الله وخير شباب أهل الجنة، ومحمد، وعمر، كان من السابقين الأوّلين في دخول الإسلام حيث كان أوَّل من أسلم من الصبيان، شهد معركة بدر وما بعدها من المعارك، ويُكنى بأبي تراب إضافةً إلى كنيته الرئيسية أبي الحسن.[١]
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً صغيراً، ولم يكن إسلام علي كرَّم الله وجهه كإسلام أي صبي في عمره، فقد كانت الدعوة الإسلامية حينها في مرحلتها السريَّة، ممّا يعني أن إسلام صبيِّ بهذا العمر ربما يعود على الدعوة الإسلاميّة وأيّ دعوةٍ بالضرر لعدم قدرته على إخفاء مثل هذا الأمر الجلل، لكن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعلم جيداً أنّ مثل عليّ قادرٌ على ذلك وأكثر حتى وثق به وأخبره بأمر دعوته الجديدة التي لم يكن يُدرك أمرها حينها إلا عددٌ يسيرٌ من أهل مكة، فاصطفاء النبيّ صلى الله عليه وسلم له لإخباره بأمر الإسلام هو بحدِّ ذاته أمرٌ عظيم.[٢]
زهد علي بن أبي طالبتميَّز أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالكثير من الصفات خلال عمر الدعوة الإسلامية، وذلك في الفترة التي عاشها مع النبي صلى الله عليه وسلم منذ إسلامه في الصغر مروراً بهجرته انتقالاً إلى الغزوات التي شارك فيها مع النبي وأصحابه، وحتى عهد الخلفاء الراشدين إلى مرحلة تولّيه الخلافة، ومما كان يتَّصف به الإمام علي رضي الله عنه زهده الذي تحدَّث عنه الناس من عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحتى هذا اليوم.
كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إماماً من أئمة الزهد، حيث عزف عن الدنيا بجميع ملذاتها، حيث اشتهر من قوله عن الدنيا قوله: (يا دنيا غُرِّي غيري)، أما حياة الإمام علي رضي الله تعالى عنه فهي مليئة بالشواهد التي تدلُّ على زهده وتثبته بالوقائع لا بالكلام المُجرَّد، وكان من بعض المواقف الدالة على زهده ما يأتي:[٣]
الزهد في مال الفيء والغنيمةيقول أبو إسحاق السبيعي: (كان علي رضي الله عنه يسير في الفيء مسيرة أبي بكر الصديق في القسم إذا ورد عليه مال لم يبقِ منه شيئاً إلا قسمه ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك ويقول: يا دنيا غري غيري. ولم يكن يستأثر من الفيء بشيء ولا يخص به حميماً، ولا قريباً، ولا يخصّ بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه: (قد جاءتكم موعظة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما أنا عليكم بحفيظ، إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتى نبعث إليك من يتسلّمه منك)، ثمّ يرفع طرفه إلى السماء فيقول: اللهم إنّك تعلم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك).[٣]
التقشف في اللباس والمطعملم يكن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يملك المال والكنوز، بل إنّ ابنه الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل أنه لم يترك لهم بعد وفاته إلا مبلغاً يسيراً من المال لا يصل إلى ثمانمائة درهم، وكان قد أعدَّ ذلك المبلغ لشراء خادمٍ لأهل بيته إلا أنّ الأجل لم يمهله لفعل ذلك، ومن المواقف الدالّة على قلّة ماله وتقشّفه في متاع الدنيا وزهده في الحياة ما ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي عن أبيه، حيث قال: (رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته، فقام إليه رجل فقال: نسلّفك ثمن إزار). يقول عبد الرزاق: (وكانت بيده الدنيا كلها إلا ما كان من الشام).[٣]
أقوال علي بن أبي طالب في الزهدكان علي رضي الله عنه أزهد الناس في الدنيا، وقد رُويت الكثير من أقوال علي في هذا، من ذلك قوله: (الدنيا دار ممرً إلى دار قرار، والناس فيها رجلان: رجلٌ باع نفسه فأوبقها، ورجلٌ ابتاعها فأعتقها)، كما رُوي أنه قال في الزهد في الدنيا وما فيها من متاع: (من زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات)، ومن أجمل ما رُوي من أقواله في الزُّهد في الدنيا والتَّقرُّب من الله ومخافته ما عُرف بتعريف التقوى، حيث قال فيها قولاً شمل جميع ما تحتمله التقوى من الزهد في الدنيا وترك كل ما فيها لقاء ما عند الله حيث قال: (التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل).[٤]
المراجعالمقالات المتعلقة بزهد علي بن أبي طالب