خلق الله تعالى الإنسان ومكَّن له في الأرض وهيَّأ له أسباب العيش وسُبُل الحياة على وجهها، وسخّر له ما في هذه الأرض ليستغلّه في إعمارها؛ لأنَّه مُكلَّفٌ بذلك؛ إذ هو خليفة الله تعالى على هذه الأرض، وقد شرع الله تعالى جُملةً من العبادات والطَّاعات، وأمر بها عباده المؤمنين، فكانت العِبادة غايةً من غايات خلق الله تعالى للإنس والجنِّ، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[١] فتنوّعت أشكال العبادات والطّاعات، وتعدَّدت بين عبادةٍ بدنيَّة وأخرى ماليَّة.
ومن العبادات ما كان من الأهميَّة والمنزلة العظيمة بمكانٍ، فعدَّها الله أركاناً للإسلام، لا يصحُّ إسلام أحدٍ إذا اختلّت، وهذه العبادات كما رواها عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصّلاةِ، وإيتاءِ الزّكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)،[٢] ولكلِّ رُكنٍ من هذه الأركان أحكام، وضوابط، وشروطٌ لأدائه، ليتمَّ على الوجه الصحيح، وفيما يأتي حديثٌ عن أحد هذه الأركان وهو الصَّلاة، من تعريفٍ بها، وبيانٍ لحُكمها، وتفصيلٍ في حُكم تأخير أدائها، ختاماً بأهميَّة الصَّلاة ومكانتها.
الصَّلاة الصَّلاة لُغةًالصَّلاة في اللغة من الجذر اللُّغويّ صَلَى، الصَّاد واللام والحرف المُعتَلّ الأخير أصلان؛ أحدُهما دالٌّ على النَّار وما شابهَها من الحُمَّى، فيُقال: صلى العودَ بالنَّار، ومنه قول الله تعالى مُخاطباً أهل النَّار: (هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ*اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)،[٣] والأصل الآخر دالٌّ على جنسٍ من العبادة، وهو الدُّعاء، ومنه قول النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: (إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طعامٍ فلْيُجِبْ، فإن كان مفطرًا فلْيأكلْ، وإن كان صائمًا فلْيُصَلِّ)،[٤] والمُراد بكلمة فلْيُصَلِّ؛ أي يدعو لأصحاب الطعام الذين دعوه لتناوله بالخير والبركة.[٥]
الصَّلاة اصطِلاحاًتُعرَّف الصَّلاة كعبادةٍ معلومةٍ ورُكنٍ من أركان الإسلام بأنَّها: أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصةٌ في أوقاتٍ مخصوصةٍ، تُفتَتَح بالتَّكبير، وتُختَتَم بالتَّسليم، مع النِّية، بشروطٍ مخصوصةٍ. والصَّلاة عمود الدِّين، وأوّل ما يُسأَل عنه الإنسان يوم القيامة ويُحاسَب عليه، وهي آخر ما أوصى به النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قبل انتقاله إلى الرّفيق الأعلى، والصَّلاة فرضٌ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ، وهي خمس صلواتٍ في اليوم والليلة.[٦]
حُكم تأخير الصَّلاة تأخير الصّلاة عن وقتهاإنْ تعمَّد الإنسان تأخير الصلّاة عن وقتها؛ أي حتّى خروج وقتها وانتهائه، ولم يكن له في تأخيرها عذرٌ، ففِعله حرامٌ، وهو آثمٌ وعليه التَّوبة إلى الله تعالى، وهذا باتّفاق الفقهاء، كما أنَّ الفقهاء متَّفقون على أنَّ من أخَّر الصّلاة فخرج وقتها لعذرٍ لا إثم فيه، وذلك مثل: النِّسيان لقول النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام: (رُفِعَ عن أُمَّتِي الخطَأ، والنِّسيان، وما اسْتُكرِهُوا عليْه)،[٧] أو النَّوم؛ لِما رُوِي أنَّ بعض الصّحابة رضي الله عنهم: (ذكروا تفريطَهم في النّومِ، فناموا حتّى طلعتِ الشّمسُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ليس في النّومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ في اليقظةِ، فإذا نسيَ أحدُكم صلاةً أو نام عنها فلْيُصلِّها إذا ذكرَها، ولوقتِها من الغدِ)،[٨] فلا خِلاف على أنَّ تأخير الصّلاة عن وقتها لعُذرَي النّسيان أو النّوم لا إثم فيه.[٩]
وقد اختُلِف في تأخير الصّلاة عن وقتها للسّفر والمطر؛ أي تأخير الظُّهر لتُصلّى مع العصر، وتأخير المغرب لتُصلّى مع العشاء جمع تأخيرٍ في حال السَّفر والمطر، فهذان عُذران يُجيزان تأخير الصّلاة عن وقتها عند جمهور الفُقهاء.[٩]
تأخير الصَّلاة إلى آخر وقتهاتأخير الصَّلاة إلى آخر وقتها هو ألّا تُصلّى الصَّلاة في أوّل وقتها بل في آخره، قبل انقضاء وقت الصَّلاة بزمنٍ يسيرٍ، وتأخير الصَّلاة إلى آخر وقتها إن كان لعُذرٍ -مثل الأعذار التي سبق الحديث عنها- فلا حرَج ولا إثم في تأخيرها، أمَّا إن كان تأخيرها إلى آخر الوقت دون عُذرٍ فهو خِلاف الأولى؛ إذ إنَّ الأصل والأكمل والأفضل أداء الصّلاة على وقتها؛ لِما للمُسارعة في الخيرات وأداء العبادة من فضلٍ عند الله تعالى، كما جاء في قوله سبحانه: (...فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ...)،[١٠] وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)،[١١] ولِما كان عليه النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- وصحابته -رضي الله عنهم- من حرصٍ على أداء الصلّاة على وقتها.[١٢]
يُضاف إلى ما سبق ما كان لأداء الصَّلاة على وقتها من فضلٍ عند الله؛ فهي من أحبّ الأعمال إليه كما روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: الصّلاة على وقتها. قال: ثُمَّ أيُّ؟ قال: ثُمَّ بِرُّ الوالدَينِ. قال: ثُمَّ أيّ؟ قال: الجهادُ في سبيل الله. قال: حدثني بهِنَّ، ولو استزَدْتُه لزَادَني)،[١٣] لأجل ذلك كلِّه كان الأوْلى والأكمل أداء الصّلاة على وقتها، غير أنَّ تأخيرها لآخر الوقت ليس حراماً، لكنَّ اعتياده دون عُذرٍ قد يؤدّي إلى الحرام بترك صلاة الجماعة، والتَّكاسُل والتَّهاوُن في أداء الصَّلاة.[١٢]
فضل الصَّلاة وثمراتهاإنَّ للصَّلاة فضائل وثمراتٍ عديدةً، تعود على مَن التزم بها وأدَّاها حقَّ أدائها، ومن هذه الثّمرات:[١٤]
المقالات المتعلقة بحكم تأخير الصلاة