فصل الرّبيع فصل البدايات؛ ففيه تتهيّأ الأرض لارتداء أجمل أثوابها، ليبدأ فصلٌ جديدٌ من فُصول الحياة، فصلٌ مليء بالتّجدد، والأمل، وألوان الزُّهور بمُختلف أشكالها وألوانها وعطورها، وفيه ترتفع زقزقةُ العصافير، وتعود الطّيور المُهاجرة إلى أعشاشها وأوطانها بعد وقتٍ طويلٍ من الغربة، وتستيقظ الحيوانات من سُباتها الطّويل وتفتح عينيها للشّمس السّاطعة، فليس هناك أجمل من دفء الرّبيع الذي ينبعث إلى أعماق الأرض، ليمنح الحياة لكلّ ما فيها، ويُزيل عنها برد الشّتاء الطّويل والقاسي، الذي أنهاه قدوم فصل الربيع.
تنشر الشّمس أشعّتها على استحياءٍ لتطلّ من بين غيوم السّماء؛ فسماء الرّبيع تتزيّن ما بين صفاء اللون الأزرق، وما بين السّحب البيضاء الحنونة التي إن أرادت أن تُمطر ترسل رذاذها النّاعم الحنون ليزيد الجو بهجةً وألقاً، فشمس الرّبيع ومطره وبرده وجميع تفاصيله ما هي إلا عطايا من الله تعالى لهذا الفصل المُبهج، الذي يُدخل الفرح والتّفاؤل في النُّفوس.
لو كان للأشجار لسانٌ لنطقت، وتغنّت بفصل الرّبيع وجماله؛ ففيه تتبدّل الأغصانُ اليابسة بالبَراعم الخضراء وأزرار الورد الصّغيرة، وفيه ينتثر النّدى على بتلات الورد ليغفو في أحضانه، وينشر عطره في كلّ مكان، وكم من قصيدةٍ رائعة الجمال تغنّت بهذا الفصل الرائع، وكم من قصصٍ جميلةٍ روتها الجدّات عن جمال فصل الرّبيع، كيف لا، وهو فصل الفراشات المُلوّنة، وفصل الحُبّ، وبداية الأشياء الجميلة.
ظلّ فصل الرّبيع مُحتفظاً ببهائه ومكانته عبر الزّمن؛ فالجميع يُصوّر الجمال ويُشبّهه بالرّبيع، والجميع يتغنّى به وبمنطق الحُسن فيه، فلا يُمكن أن تكون الأرض جميلةً كما هي في الربيع، فهو فصل الخَصب والعَطاء، تتهيأ فيه الأرض لتُوزّع غلّاتها على الطّبيعة، وهو بداية الأحلام والآمال، ونهاية العواصف القاسية التي أنهكت الأرض والأشجار والأزهار.
تتفتّح في فصل الرّبيع مشاعر الحُبِّ والرّومانسيّة، وتنبعث قريحةُ الشُّعراء والأدباء فيه؛ فيؤلّفون أروع القصائد والرّوايات، وتنطلق على ألسنتهم أناشيد الحُبِّ والغزل، فكم من شاعرٍ شبَّهَ حبيبته بأزهار الرّبيع وفراشاته، ومن محاسن هذا الفصل الرائع أنّ الأطفال يَنطلقون فيه لاكتشاف خُضرة الأرض وزينتها، بعد أن قضوا شهوراً من البرد في فصل الشّتاء، فيكتشفون روعة الطّبيعة من خلال هذا الفصل المُبهج.
يقول الشاعر صفيُّ الدين الحلي في وصف روعة الربيع: وَرَدَ الرَّبيعُ، فمرحَباً بوُرُودِهِ
وبنُورِ بَهجَتِهِ، ونَوْرِ وُرُودِهِوبحُسنِ مَنظَرِهِ وطيبِ نَسيمِهِ
وأنيقِ ملبسهِ ووشي برودهِ
يا له من فصلٍ عابقٍ بالحياة والفرح والبهجة، ويا له من فصلٍ جميل المُحيّا، وبهيّ الطّلعة، يُقرّب المسافة بين الأرض والسماء، ويجعل العطر عابقاً في جميع الأجواء، ويُحوّل الغابات والأراضي إلى مزهريّةٍ فاخرةٍ مليئةٍ بالورود الرّائعة، فمرحى لفصل الرّبيع، وأهلاً به أينما حلّ وارتحل.
المقالات المتعلقة بتعبير عن فصل الربيع