الخلفاء الرّاشدون في تاريخ الإسلام هم أول أربعة خلفاء حكموا دولة الإسلام بعد وفاة الرّسول مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام، وقد دام حُكمهم لتسع وعشرين سنةً، ابتداء في العام الحادي عشر وانتهت بالحادي والأربعين بعد الهجرة، الموافقَين لسنتَي 632م -661م. سارت دولة الخلافة الرّاشدة على نهج الرّسول مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام وسنته، وكان فيها نظامٌ من الشورى يستعينُ فيه الخلفاء بنُصح غيرهم من الصّحابة لتسيير شؤون الدّولة. وقد كان أبو بكر الصديق (حكم من سنة 632م - 634م) أول الخلفاء الرّاشدين، وتلاه عمر بن الخطاب (634م - 644م)، ومن ثمَّ عثمان بن عفّان (644م - 654م)، وانتهاءً بعليّ بن أبي طالب (656م - 661م).[١]
قيام الخلافة الرّاشدةتُوفّي الرّسول مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام في 12 من ربيع الأول في السنة الحادية عشرة بعد الهجرة، الموافق للثامن حزيران سنة 632م، فترك موته حزناً شديداً في دولة الإسلام. ولم يعهد مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام قبل وفاته بخليفة يحكمُ المسلمين من بعده، ولذا وقع خلافٌ -في بادئ الأمر- حول الأحقيّة بالخلافة ما بين المُهاجرين والأنصار في المدينة؛ وكان المهاجرون، وهم أهل مكة، يرون أنّ لهم الحقَّ في الخلافة؛ لأنّ منهم قبيلة قريش، ولأنَّهم أول من آمن بالإسلام. بينما اعتقد الأنصار، وهم أهل المدينة، أنّهم يجب أن يحظوا بالخلافة لمُساندتهم لمُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام وحماية دعوته، ورشَّحوا من جانبهم سعد بن عبادة الخزرجيّ ليُصبح خليفةً، واجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة، واتّفقوا على أن تكون البيعة للصحابيّ أي بكر.[٢]
أبو بكر الصديقواسمه الكامل هو عبد الله بن أبي قُحافة عثمان التيميّ القُرَشيّ، أما كُنيته التي اشتهر بها بين النّاس فهي أبو بكر الصديق، وأمّه تُدعَى سلم وتُكنّى بأم الخير. وُلِدَ أبو بكر بعد الرّسول مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام بعامين، وكانا قريبين من بعضهما قبل البعثة النبوية، فلما جاءت الرّسالة لمُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام كان أبو بكر أول من آمن بها، حتى قال عنه الرسول: (ما دعوتُ أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر). وكان أبو بكرٍ أول الخلفاء، ويُشتَهر بأنّ أول عملٍ قام به في خلافته هو تسيير جيش أسامة بن زيد الذي كان مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام قد أمر بتجهيزه لغزو الرّوم وبلاد الشام، وذلك على الرّغم ممّا واجهه من مُعارضةٍ في هذا القرار.[٣]
كان على أبي بكرٍ أن يُواجه ارتباكاً عظيماً في الدّولة أول خلافته، وهو رِدَّة الكثير من القبائل العربيّة عن الإسلام بعد أن بلغها نبأ وفاة مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام، حيث لم يعُدّ مُتمسّكاً بالإسلام من أهل الجزيرة العربيّة -خارج المدينة- سوى قبيلة قريش في مكّة وثقيف في الطّائف، والقليل غيرهما. امتنعت هذه القبائل عن أداء الزّكاة، فأرسل إليها أبو بكرٍ حملاتٍ عسكريّة عديدة ترأَّسها قادةٌ مشهورون، مثل خالدٍ بن الوليد وعمرو بن العاص، وانتهت بالنّصر وتوحيد جزيرة العرب على الإسلام مرّةً أخرى. بعد انتهاء حروب الرِدَّة أمر أبو بكرٍ بتوجيه جيوش الدّولة إلى الشام والعراق، ومن هُنا بدأت الفتوحات الإسلاميّة. توفِّيَ أبو بكر مُصاباً بالمرض بعد سنتين وثلاثة شهور من بدء خلافته، وأوصى بالخلافة من بعده لعُمَر.[٣]
عمر بن الخطاباسمه الكامل هو عمر بن الخطاب بن نفيل العدويّ القُرَشيّ، ويُكنّى بأبي حفص، ثمّ لقّبه النبيّ مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام بالفاروق، وُلد بعد محمد بثلاثة عشر عاماً.[٣] استكملت الجيوش الإسلاميّة في أول عهده فتوحاتها في الشّام والعراق، وكانت لها وقعاتٌ كبيرة من أهمّها معركة اليرموك. كان أول أمرٍ صدر عنه هو عزل خالد بن الوليد عن قيادة جيوش تحرير الشام وتعيين أبي عبيدة بن الجراح مكانه. حضر عمر بنفسه واقعة فتح القدس، واستلم مفاتيحها بيده من الروم، وبعد ذلك فُتحت مصر على يد قائده عمرو بن العاص، كما فُتحت في عهده بلاد العراق وفارس بمعارك كُبرى، من أهمّها البويب والقادسية ونهاوند.[٤]
عُرِف عمر بإنجازاته الكبيرة في دولة الإسلام سياسيّاً وتنظيميّاً؛ فهو من أمر بالعمل بالتّقويم الهجريّ الذي لا زال مُستخدَماً إلى اليوم، وقد نظَّم إدارة الدّولة وقسّمها إلى ولايات، وعيَّن قُضاةً يُسيّرون شؤون كلّ ولاية، وأنشأ ديواناً للجُنْد وأسّس نظاماً للبريد، ونظاماً لإدارة أموال الدّولة واقتصادها. اغتاله مجوسيّ يُدعَى أبو لؤلؤة في سنة 23هـ (644م).[٢]
عثمان بن عفانهو عثمان بن عفّان بن أبي العاص الأمويّ، ويلتقي نسبه مع نسب الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في جَدّه عبد مُنَاف. لم يعهد عمر بالخلافة لشخصٍ مُحدّد عند وفاته، ولكنّه أمر المسلمين بالتّشاور على خليفة يكون أحد العشرة المُبشّرين بالجنة، وكانوا ستّة واختير من بينهم عُثمان. استمرّتت الفتوحات في عصره فوصلت إلى أذربيجان وطبرستان وخراسان في الشّرق، كما فُتحت ليبيا (طرابلس) غرباً، وأُخمِدَت ثورة بلاد فارس. كان من أكبر إنجازاته تأسيس الأسطول الإسلاميّ الذي فازَ في موقعة ذات الصواري، وجمعُ القرآن في مصحفٍ واحد. كان أول عهده مُستقرّاً مُزدهراً، ولكن أصابت القلاقل الدّولة في آخر أيامه، وكان من أسباب ذلك أنّه عيّن أقاربه حُكّاماً على الولايات فأساؤوا إدارتها. ثارت عليه العديد من المدن في العراق والجزيرة العربيّة، وحاصرَ الثوّار منزله لمدّة أربعين يوماً، ثم اقتحموه وقتلوه سنة 35هـ (656م).[٢]
علي بن أبي طالبهو أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشميّ القُرَشيّ، ابن عم الرسول مُحمَّد عليه الصّلاة والسّلام وزوج ابنته فاطمة. بعد مقتل عثمان طلب منه الصّحابة تولّي الحكم، فوافق وبُويع في مسجد المدينة. بدأ خلافته بعزل جميع الولاة السّابقين، وأذعنوا له جميعاً عدا مُعاوية بن أبي سفيان الذي تمسَّك بولايته على الشّام وطالب بالثأر لعُثمان. ومن ثمَّ نقل عليّ العاصمة إلى الكوفة في العراق، ولكن ما لبثت أن تمرَّدت عليه مَكّة بزعامة الزّبير بن العوام وطلحة بن عبد الله، وسيَّرا جيشاً إلى العراق، فالتقى عليٌّ معهُم في موقعة الجمل، فانتصرَ عليهما وقتلهما. وبعد ذلك التقى مع معاوية بن أبي سفيان في معركة صِفّين، كما قمعَ الخوارج في معركة النّهروان فأخضعهُم للدّولة. طعنه الخارجيّ عبد الرحمن بن ملجم هو خارج إلى صلاة الفجر في شهر رمضان سنة 40هـ (661م). بعد وفاته بايع النّاس ابنه الحسن، ولكن ذاك تنازل عن الخلافة لمُعاوية، فقامت الدّولة الأمويّة هكذا.[٢]
المراجعالمقالات المتعلقة بترتيب الخلفاء الراشدين