ألف العلماء في القديم والحديث الكثير من الكتب التي تتنوع في موضوعاتها أيما تنوع فنجدهم قد كتبوا في الفن والعمارة والهندسة والطب والعقيدة والفقه والادارة وعدد كبير من العلوم لا حصر لها، ولم يخفى من تلك الأفرع الكتب التي تحدثت في الرحلات وشؤون السفر ونصح الناس عند الذهاب إلى تلك المناطق فبعض الناس يسميها الكتب السياحية وبعضهم الآخر يطلق عليها كتاب علوم الرحلات ومن أشهر من كتب في ذلك ابن بطوطة الرحال البغدادي المشهور الذي سجل جميع رحله في كتاباته الموجودة اليوم في مكتبات عديدة محفوظة كقطع أثرية نادرة، والعديد من أولئك الرحالة، ولكن في العصر الحديث لم يخلو مجال التأليف من هذا النوع من الكتابات بل زادات وأضيف إليه إثراء نادر حيث لم تقف الكتب الحديثة عند وصف الأماكن والرحلة بل انتقلت إلى النصح والإرشاد ووصف معالم الآثار وطبيعة الناس وطريقة تفاعلها واجتماعهم واسلوبهم الحياتي، ومن أشهر من ألف في العصر الحديث في هذا البند هو العلامة رفاعة الطهطاوي رحمه الله الذي كتب كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز والذي يعد يحفة ذهبية في وصف باريس في فرنسا وحياة الناس في تلك الحقبة التي عاش فيها الطهطاوي رحمه الله، ومما سجل في التاريخ أن الطهطاوي رافق بعثة علمية للتعلم في باريس والأخذ عن علماءها وهناك قام بتسجيل الكتاب وسجل العديد من النصائح والارشادات وسجل الكثير من عادات أهل تلك البلاد في فرنسا، ولا ننسى التذكر بأن تلك الفترة التي عاش فيها الطهطاوي رحمه الله إنتشار رحلات العرب إلى الغرب وعيشهم في وسط الغربيين واندلاعهم بالسفر إلى هناك فنسمع في تلك الفترة عن ظهور المستشرقين ونسمع عن علماء كثر في الشرق نهلوا علومهم من الغرب فمثلا لا تخفى زيارات طه حسين إلى فرنسا وتعلمه اللغة العربية هناك والعدد الكبير من الأدباء والمفكرين الذي زاروا تلك البلدان للاستقاء من علومهم في تلك الحقبة والمسارعة في ذلك أيما مسارعة.
يعد كتاب لخليص الإبريز في تلخيص باريز تحفة فنية لمن أراد السفر إلى فرنسا وخصوصا لمن أراد الاقامة في باريس فهو يشرح له كل التفاصيل التي يحتاج ليقضي حياة وادعة ساكنة هناك دون أن يقض مضجعه أحد، لأن الكتاب ينقله برحلة ساحرة وهو في موضعه إلى باريس وكأنه يتحسس معالمها بيده كقوس النصر وبرج ايفل ومعالمها الحضارية الرائعة، ويسمع تلك الحوارات الشيقة وكأنه بين أهل باريس يجوب الشوارع ويسمع الموسييقى ويشم تلك العطور الفواحة بل ويتناول الطعام في مطاعمها العذبة، نعم إنه فعلا تحفة فنية رائعة أتقن سبكها الكبير رفاعة الطهطاوي ولقراءة الكتاب أعذوبة أجمل وأكثر رقة وإبداعا من هذا الكلام المكتوب، فلا تمنع نفسك فرصة السفر والتعرف إلى باريس عن طريق هذا الكتاب الرائع والشيق.
المقالات المتعلقة بتخليص الإبريز في تلخيص باريز