ابي قاسم الشابي

ابي قاسم الشابي

محتويات
  • ١ أبو قاسم الشابي
  • ٢ حياته
  • ٣ قصائده المغناة
  • ٤ قصائده
    • ٤.١ أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى
    • ٤.٢ أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ
    • ٤.٣ أرى هيكلَ الأيامُ، مشيَّداً
    • ٤.٤ ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ
    • ٤.٥ أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي
    • ٤.٦ أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟
    • ٤.٧ ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ
  • ٥ وفاته
أبو قاسم الشابي

شاعر تونسيّ معروف ولد عام 1909 في بلدة الزّرات في تونس الخضراء، ويعتبر الشّاعر أبو القاسم الشّابي أحد شعراء العصر الحديث. وتوفي الشّاعر الشّابي عن عمر 25 عاماً في عام 1934م، وهو صاحب لقب "شاعر الخضراء".

حياته

رأى الشّاعر أبو القاسم الشابي نور الحياة يوم الأربعاء الموافق 24/2/1909م، في إحدى مدن تونس الخضراء، والتي تسمّى توزر، أبوه هو الشّيخ محمد الشّابي الذي عمل في سلك القضاء، الذي تنقل بين مدن تونس، متمتعاً بجمالها السّاحر، وعيّن قاضياً في الكثير من مدنها ابتداءً من سليانة إلى بلدة زغوان، ومن المرجّح أن يكون الشّيخ الشّابي كان يقوم بنقل أسرته معه بمن فيهم بِكرُه أبو القاسم الشّابي، وقد بقي فيها إلى أن أصابه المرض وقرّر أن يعود إلى مدينة توزر، لكنه لم يعش طويلاً بعد إصابته بذلك المرض وتوفي في عام 1929م.

كان أبوه رجلاً صالحاً لا يعرف له طريق غير المحكمة والمسجد والبيت، وفي هذه الأجواء تربي وترعرع الشار أبو القاسم، هذا ويذكر بأن للشّيخ محمد الشّابي أربع أبناء، منهم الشّاعر أبو القاسم الشابي، وآخر هو محمد الأمين الذي عمل كأوّل وزير للتّعليم بعد الإستقلال، وهناك الأمين الشابي الذي أصبح رئيس فرع خزنة دار المدرسة الصّادقية، وهناك أيضاً عبد الله وعبد الحميد.

كان الشّاعر الشابي على علم بأنّ قلبه ضعيف ومريض، ولكن لم تظهر آثار ذلك المرض إلّا في عام 1929، وكان أبوه يرغب في تزويجه، ولكنّ الشّاعر الشّابي كان متردد في تحقيق رغبة أبوه بالزواج، وبين قلبه المريض، فقرّر أن يستشير الطبيب فذهب هو وصديقه زين العابدين السّنوسي، إلى حضرة الطبيب محمود الماطري، الذي شخص له حالاته وبيّن له مرضه، ونصحه بالإبتعاد عن المجهود البدني والنّفسي، وعلى إثر هذا قرّر شاعرنا الشابي أن يمتثل إلى رغبة والده بالزواج.

لكنّ حالة الشّاعر الشابي المرضيّة إزدادت سوءاً فقد كان يعاني من إنتفاخ في قلبه، ولعلّ أوضاع الطّلاب السيئة في جامعة الزّيتونة أثّرت عليه كثيراً، ولم يترك الشّاعر الشابي من نصيحة الطبيب سوى الجري وتسلق الجبال ونحوه، ولعل الأثر النفسي من تركه لهذا الشيء كان أعظم من قيامه به وهذا ظاهر في يوميّاته عندما ذكر أنّه رأى مجموعة من الأطفال تجري وتلعب وغيرهم يرتادون في الهواء الطّلق وهو غير قادر على فعل هذا الشيء بسبب قلبه المريض، ولعل الصدمة النفسية التي تعرض لها شاعرنا حين تلقيه خبر وفاة محبوبته الصغيرة له كثير الأثر في تأزم حالته المرضيّة، ولهذا فقد تعرض لإجهاد نفسي وبدني عال جدا مهملاً نصيحة الأطباء له، مما أثر عليه سلباً حتى توفي في 9/10/1934م.

قصائده المغناة

لقي الشّاعر الشابي عناية كبيرة بعد موته، وهناك بعض قصائده قاموا بتغنيتها منها:

إستخدم جزء من قصيدته "إرادة الحياة" في نشيد تونس الوطني.

تمّ غناء قصيدته "إرادة الحياة" من قبل عدد كبير.

قصيدة "إلى طغاة العالم".

قصيدة عذبة أنت.

قصيدة اسكني يا جراح

قصائده أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى

أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى

وَكُنْتَ لاَ تَعْرِفُ الظَّلامْ

فَأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّيَاجِي

وغامَ من فوقِك الغمامْ

وَعِشْتَ في وَحْشَة ٍ، تقاسي

خواطراً، كلّها ضرامْ

وغربة ٍ، ما بها رفيقٌ

وظلمة ٍ، ما لها ختام

تشقُّ تِيهَ الوجودِ فرداً

قد عضّك الفَقْرُ والسُّقَامْ

وطاردتْ نفسَك المآسي

وفرَّ من قلبِك السّلامْ

هوِّنْ عَلى قلبك المعنَّى

إنْ كُنْتَ لاَ تُبْصِرُ النُّجُومْ

ولا ترى الغابَ، وهْو يلغو

وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ

ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي

وَحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيم

فكلُّنا بائسٌ، جَديرٌ

برأفة ِ الخالقِ العَظيمْ

وكلُّنا في الحياة أعمى

يَسُوقه زَعْزَعٌ عَقِيمْ

وحوله تَزْعَقُ المَنَايا

كأنَّها جِنَّة ُ الجَحِيمْ:

يا صاح! إن الحياة قفرٌ

مروِّعٌ، ماؤهُ سرابْ

لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاّ

عَواطفَ الشَّوكِ والتُّرابْ

وأسعدُ النّاس فيه أعمى

لا يبصرُ الهولَ والمُصابْ

ولا يرى أنفس البرايا

تَذُوب في وقْدَة ِ العَذَابْ

فاحمدْ إله الحياة ، وافنعْ

فيها بألْحَانِكَ العِذابْ

وعِشْ، كما شاءَتِ الليالي

من آهَة ِ النَّاي والرَّبَابْ

أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ

أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ

ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأملْ

وتنمو بصدرِي ورُودٌ، عِذابٌ

وتحنو على قلبيَ المشتعِلْ

ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحياة ِ

وذاك الشّبابُ، الوديعُ، الثَّمِلْ

ويفتنُني سِحْرُ تلك الشِّفاهِ

ترفرفُ منْ حولعنّ القُبَلْ

فأعبُدُ فيكِ جمالَ السّماء،

ورقَة َ وَرْدِ الرَّبيعِ، الخضِلْ

وطُهْرَ الثلوج، وسِحْرَ المروج

مُوَشَّحَة ً بشعاعِ الطَّفَلْ

أراكِ، فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً

كأنّيَ لم أَبْلُ حربَ الوجودْ

ولم أحتمِلْ فيه عِبثاً، ثقيلاً

من الذِّكْريَاتِ التي لا تَبيدْ

وأضغاثِ أيّاميَ، الغابراتِ

وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ

ويْغْمُرُ روحِي ضياءٌ، رفيقٌ

تُكَلّلهُ رَائعاتُ الورودْ

وتُسْمُعُني هَاتِهِ الكَائِنَاتُ

رقيقَ الأغاني، وحُلْوَ النشيدْ

وترقصُ حولِي أمانٍ، طِرابٌ

وأفراحُ عُمْرِ خَلِيٍّ، سَعيدْ

كأنِّيَ أصبَحْتُ فوقَ البَشَرْ

وتهتزُّ مثْلَ اهتزازِ الوتَرْ

أناملَ، لُدْناً، كرَطْب الزَّهَرْ

فتخطو أناشيدُ قلبيَ، سكْرَى

تغرِّدُ، تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ

وتملأَني نَشْوة ٌ، لا تُحَدُّ

أوَدُّ بروحي عناقَ الوجودِ

بما فيه من أنفسٍ، أو شجرْ

وليلٍ يفرُّ، وفجرٍ يكرُّ

وغَيْمٍ، يُوَشِّي رداءَ السحرْ

أرى هيكلَ الأيامُ، مشيَّداً

أرى هيكلَ الأيامُ، مشيَّداً

ولا بدَّ أنْ يأتي على أُسِّهِ الهَدْمُ

فيصبحَ ما قد شيدَّ الله، والورى

خراباً، كأنَّ الكلُّ في أمسهِ وهمُ!

فقل لي: ما جّدوى َ الحياة ِ وكربِها،

وتلك التي تزوي، وتلك التي تنمو؟

«وفوْجٍ، تغذِّيه الحياة ُ لِبَانَها،

وفوجٍ، يُرى تَحْتَ التُّرابِ لَهُ رَدْمُ؟

وعقلٍ من الأضواء، في رأس نابغ

وعقلٍ من الظّلماء، يحملهُ فدمُ؟

وأفئدة حسرَ، تذوب كآبة

وأفئدة ٍ، سكرى ، يِرفُّ لها النّجمُ؟

لِتعْسِ الوَرى ، شاءَ الإلهُ وجودَهم

فكانَ لَهُمْ جهلٌ، وكانَ لَهُمْ فهمُ!!

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ

سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ

وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ

وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ

وتبدرُ شوكَ الأسى في رُباهُ

رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ

وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ

ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام

وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ

حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ

ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ

رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ

ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ

وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ

سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء

ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ

أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي

أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي

تتغنَّى ، وقطعة ُ من وجودي

فيكَ مَا في جوانحي مِنْ حَنينٍ

أبديِّ إلى صَميم الوجودِ

فيكَ مَا في خواطري من بكاءٍ

فيك ما في عواطفي مِنْ نَشيدِ

فيكَ ما في مَشَاعري مِنْ وُجومٍ

لا يغنِّي، ومن سرور عهيدِ

فيكَ ما في عَوَالمي مِنْ ظلامٍ

سرمديّ، ومن صباحٍ وليدِ

فيكَ ما في عَوَالمي من نجومٍ

ضاحكاتٍ خلف الغمام الشرودِ

فيكَ ما في عَوَالمي من ضَبَابِ

وسراب، ويقظة ، وهجودِ

فيكَ ما في طفولتي مِنْ سلامٍ،

وابتسامٍ، وغبطة ٍ، وَسُعودِ

فيكَ ما في شبيتي من حنينٍ،

وشجون، وبهجة ، وجمودِ

فيك- إن عانق الربيع فؤادي

تتثنَّى سَنَابلي وَوُرُودي

ويغنى الصّباحُ أنشودة َ الحب،

على مَسْمَعِ الشَّبابِ السَّعيدِ

ثم أجنى في صيْف أحلاميَ

الساحر ما لذَّ من ثمار الخلودِ

فيك يبدو خريفُ نفسي مَلُولاً،

شاحبَ اللون، عاريَ الأملود

حَلَّلْته الحَياة ُ بالحَزَنِ الدّا

هُتافُ السَّؤُوم والمُسْتَعيدِ

فيك يمشي شتاءُ أيَّاميَ البا

كي، وتُرغي صَوَاعقي وَرُعُودي

وتجفُّ الزهورُ في قلبيَ الدا

جي، وَتَهْوي إلى قرارٍ بعيدِ.

أنت يا شعرُ-قصة ٌ عن حَياتي

أنت يا شعرُ صورة ٌ من وجودي

أنت يا شعر-إن فرحتُ-أغاريدي

وإن غنَّت الكآبة -عودي

أنت ياشعرُ كأسُ خمرٍ عجيبٍ

أتلَّهى به خلال اللحودِ..

أتحسَّاهُ في الصَّباحِ، لأنسى

ما تقضَّى في أمسيَ المفقودِ

وأناجيه في المساءِ، لِيُلْهِيَني

أنتَ ما نِلْتُ من كهوفِ الليالي

وتصفَّحتُ من كتاب الخلودِ

فيك ما في الوجودِ مِنْ حَلَكٍ، دا

جٍ، وما فيه من ضياءٍ، بَعيدِ

فيك ما في الوجودِ من نَغَمٍ،

حُلْوٍ، وما فيه مِن ضَجيجٍ، شَديدِ

فيك ما في الوجودِ مِنْ جَبَلٍ،

وعْرٍ، وما فيه من حَضِيضٍ، وَهِيدِ

فيك ما في الوجودِ من حَسَكٍ،

يُدْمِي، وما فيه من غَضيضِ الورودِ

أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟

أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟

أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟

أين يا شعبُ، رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ

أينَ، الخيالُ والالهامُ؟

أين يا شعبُ، فنُّك السَّاحرُ الخلاّقُ؟

أينَ الرُّسومُ والأَنغامُ؟

إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ

فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ

أينَ عَزْمُ الحياة ِ؟ لا شيءَ إلاّ

الموتُ، والصَّمتُ، والأسى ، والظلامُ

عُمُرٌ مَيِّتٌ، وَقَلْبٌ خَواءٌ

ودمٌ، لا تثيره الآلامُ

وحياة ٌ، تنامُ في ظلمة ِ الوادي

وتنْمو من فوقِها الأوهام

أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ؟!

رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام

قد مشتْ حولَك الفصولُ وغَنَّتْكَ

فلم تبتهِجْ، ولمْ تترنَّمْ

ودَوَتْ فوقَك العواصِفُ والأنواءُ

حَتَّ أَوشَكْتَ أن تتحطَّمْ

وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك

فلم تضطرب، ولم تتألمْ

يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو؟

أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟

ملَّ نهرُ الزّمانِ أيَّامَكَ الموتَى

وأنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ

أنتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ، ولا حيٌّ

فيمشي، بل كائنٌ، ليس يُفْهَمْ

أبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ

جامدٍ، لا يرى العوالِمَ، مُظْلِمْ

أيُّ سِحْرٌ دهاكَ! هل أنتَ مسحورٌ

شقيٌّ؟ أو ماردٌ، يتهكَّمْ؟

آه! بل أنتَ في الشُّعوب عجوزٌ،

فيلسوفً، مُحطَّمٌ في إهابِهْ

ماتَ شوقُ الشبابِ في قلبِه الذاوي،

وعزمُ الحياة ِ في أعصابِهْ

فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ..، بعيداً..

وهناكَ.. اصطفى البقاءَ مع الأموات،

«في قبرِ أمسِهِ» غيرَ آبِهْ...

وارتضى القبرَ مسكناً، تتلاشى

فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ

وتناسى الحياة َ، والزّمَنَ الدّاوي

وما كان منْ قديمِ رِغَابِهْ

واعبدِ «الأمسَ» وادَّكِرْ صُوَرَ الماضِي

فدُنْيَا العجوزِ ذكري شبابِهْ...

وإذا مرَّتِ الحياة ُ حوالَيْكَ

جميلاً، كالزّهر غضَّا صِباها

تتغنّى الحياة بالشوق والعزم

فيحْي قلبَ الجمادِ غِنَاها

والربيعُ الجميلُ يرقصُ فوقَ

الوردِ، والعشبِ، مُنْشِداً، تيَّاهاً

ومشَى النّاسُ خلفَها، يتَمَلوْنَ

جمالَ الوجودِ في مرآها

فاحذرِ السِّحْرَ! أيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ

والربيعُ الفَنَّانُ شاعِرُها المفتونُ

يُغْرِي بحبِّها وهواها

وَتَمَلَّ الجمالَ في رِممِ الموتَى ..!

بعيداً عن سِحْرِهَا وَصَدَاها

وَتَغَزَّلْ بسِحْرِ أيَّامِكَ الأولى

وخَلِّ الحياة َ تخطو خطاها

وإذا هبَّت الطيورُ مع الفجر،

تُغنِّي بينَ المروجِ الجميلهْ

وتُحَيِّي الحياة َ، والعالَمَ الحيَّ،

بِصَوْتِ المحبَّة ِ المعسولهْ

والفَراشُ الجميلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ،

يناجي زهورَهُ المطلولهْ

وأفاقَ الوجودُ للعمل المُجْدِي

ولِلسَّعي، والمعاني الجليلهْ

ومشى الناس في الشِّعاب، وفي الغاب،

وفوق المسَالكِ المجهولهْ

ينشدون الجمالَ، والنُّورَ، والأفراحَ

والمجدَ، والحياة َ النبيلهْ

فاغضُضِ الطَّرفَ في الظَّلامِ! وحاذِرْ

فِتْنَة َ النُّورِ..! فهيَ رُؤْيَا مَهولَة ...

وَصَبَاحُ الحياة ِ لا يُوقِظُ الموْتَى

ولا يَرْحَمُ الجفونَ الكليلهْ

كلُّ شيءٍ يُعَاطِفُ العالَم الحيَّ،

ويُذكِي حياتَه، ويُفيدُهْ

والذي لا يجاوِبُ الكونَ بالاحساسِ

عِبْءٌ على الوجودِ، وُجُودُهُ

كُلُّ شيءٍ يُسايرُ الزَّمنَ الماشي

بعزمٍ، حتى الترابُ، ودودُهُ

كلُّ شيءٍ ـ إلاَّكَ ـ حَيٌّ، عَطوفٌ

يُؤْنِسُ الكونَ شَوْقُه، ونَشيدُهُ

فلِماذا تعيشُ في الكون يا صَاحِ!

وما فيكَ من جنًى يستفيدُهْ

لستَ يا شيخُ للحياة ِ بأَهْلٍ

أنت داءٌ يُبِيدُها وتُبِيدُهْ

أنت قَفْرٌ، جهنَّميٌّ لَعِينٌ،

مُظْلِمٌ، قَاحلٌ، مريعٌ جمودُهْ

لا ترفُّ الحياة ُ فيه، فلا طيرَ

يغنّي ولا سَحَابَ يجودُهْ

أنتَ يا كاهنَ الظلامِ ياة ٌ

تعبد الموتَ..! أنت روحٌ شقيٌّ

كافرٌ بالحياة ِ والنُّورِ..، لا يُصغي

إلى الكون قلبُه الحَجَرِيُّ

أنتَ قلبٌ، لا شوقَ فيه ولا عزمَ

وهذا داءٌ الحياة ِ الدَّوِيُّ

أنتَ دنيا، يُظِلُّها أُفُقُ الماضي

وليلُ الكآبة ِ الأَبديُّ

مات فيها الزّمانُ، والكونُ إِلاَّ

أمسُها الغابرُ، القديمُ، القَصِيُّ

والشقيُّ الشقيُّ في الأرض قلبٌ

يَوْمُهُ مَيِّتٌ، وما ضيه حيُّ

أنتَ لا شيءَ في الوجودِ، فغادِرْهُ

إلى الموت فَهْوَ عنك غَنِيُّ

ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ

ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ

وَنِلنا كمالَ النُّفوسِ البعيدْ

فهل لا نَمَلُّ دوامَ البقاء؟

وهل لا نَوَدُّ كمالا جديد

وكيف يكوننَّ هذا "الكمالُ":

ماذا تراه؟ وكيف الحدود

وإنّ جمالَ «الكمال» «الطُّموحُ»

وما دامَ «فكراً» يُرَى من بعيدْ

فما سِحْرُهُ إنْ غدا «واقعاً»

يُحَسُّ، وأصبحَ شيئاً شهيدْ؟

وهل ينطفي في النفوس الحنينُ

وتصبحُ أشواقُنا في خُمودْ

فلا تطمحُ النَّفْسُ فوقَ الكمالِ

إذا لم يَزُل شوْقُها في الخلودِ

فذاكَ لعمري شقاءُ الجدود

وحربٌ، ضروسٌ،_ كاقد عهدتُ_

وَنَصْرٌ، وكسرٌ وهمُّ مديدْ

وإن زال عنُها فذاك الفَناءُ

وإن كانَ في عَرَصات الخُلود

وفاته

تم إدخال أبو القاسم الشّابي إلى مستشفى الطّليلان قبل وفاته بستّة أيام، وقيل أنّه كان مصاب بمرض القلب أو القلاب، هذا ويذكر أنّ روحه فاضت إلى بارئها، في السّاعة الرابعة فجراً، وقاموا بإرجاعه إلى بلدته تزور ودفنه هناك.

المقالات المتعلقة بابي قاسم الشابي