يُعتبر قصر موسى - على الرّغم من صغر حجمه - من المتاحف اللبنانيّة المتميّزة، والتي تُجسّد قصّة الحياة اللبنانيّة بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، من خلال مجسّمات لأشخاص تركوا بصماتهم الواضحة في إرث البلد الثقافي والاجتماعي، ليغدو أحد المعالم السياحيّة الذي يقصده كلّ من زار لبنان؛ حيث يستقبل موسى بنفسه كلّ زوّاره على الرّغم من كِبَر سنّه.
يقع قصر موسى في الدولة اللبنانيّة، وتحديداً في مدينة بيت الدين التابعة لقضاء الشوف؛ حيث يُطلّ على منحدر الطريق الذي يصل بين مدينة دير القمر ومدينة بيت الدين. امتدّت فترة بناء هذا القصر من عامِ ألف وتسعمئة وخمسة وأربعين حتّى عام ألف وتسعمئة وسبعة وتسعين للميلاد، وقد بناه بيده صاحب الفكرة والمنفّذ له موسى المعماري دون أيّة مساعدةٍ.
قصة بنائهيحكي موسى المعماري عن معاناته مع الفقر الذي كان يعيشه في ظلّ أسرة بسيطة جداً، تسكن غرفة من الطين، فكان يحلم بأن يعيش في قصرٍ رسمه في خياله، وجسّد رسمةً له على ورق دفترٍ قد ابتاعته له والدته من دكان القرية مقابل أربع بيضات.
لم يكن موسى المعماري مُنصتاً لما يمليه المدرّس من معلومات في حصّة تعليميّة في المدرسة؛ بل كان جلّ اهتمامه وانهماكه أن يرسم صورةً لقصره الذي يحلم به؛ حيث يُلوّن كلّ حجرٍ بلون مختلف، ويرسم لهذا القصر تصميماً يتمنى لو يصبح حقيقةً، إلاَّ أنّ المدرّس كان يمتعض من قلّة اهتمام هذا الطالب بالدرس ليقف بجانبه ويراقبه، فيرى تلك الرسمة التي يخطّها على ورق دفتره، فما كان من المدرّس إلاَّ أن طلب من موسى النهوض، وضربه على رأسه ضربةً موجعةً بعصا الرمّان التي يحملها بيديه، وانتزع الورقة من يديه، وقام بطيّها ومن ثمّ تمزيقها، ورماها أرضاً وأخذ يدوسها برجله، وقام بطرد موسى من المدرسة، آمراً إيّاه أن يعود لوالده ويبني له قصراً كالذي يرسمه على الورق.
كان بكاء موسى موجعاً، وشهقاته المؤلمة يُسمع دويها، فما كان منه إلاَّ أن قام بالتقاط حلمه الممزّق المرمي على الأرض، ووضع الورقة في جيبه، وعاد إلى بيته جاراً معه ألمه وما تركه المدرّس في نفسه من سحقٍ لآماله. قام موسى بإعادة لصق الورقة مع بعضها البعض، ووضع الرسمة في علبة، بقيت مخبّأةً قرابة خمسة وعشرين عاماً، إلى أن استطاع -عندما قسى عوده- بناء هذا الحلم والذي تجسّد حقيقةً بما يُشبه القصر، ليصبح أحد المعالم التراثيّة في لبنان، وتصدّرت هذه الرسمة الممزّقة والتي أعيد تجميعها أحد جدران القصر.
موجودات القصرضمّ قصر موسى المعماري مجسّمات عديدة تحكي عن البيئة اللبنانيّة وحياة أهلها، ضمن إطار فلكلوري، بما في ذلك الأعمال القرويّة، والدبكة الشعبيّة، وأيضاً هنالك بعض المجسّمات لحِرَف قديمة في لبنان، إضافةً إلى أسلحة قديمة تعود للعصر العثماني، وأيضاً لفترة الانتداب الفرنسي على البلاد، ويبلغ عدد الأسلحة المعروضة في القصر قرابة ستة عشر ألف قطعة من السلاح، وتُعدّ هذه المجموعة هي الأكبر المعروضة في منطقة الشرق الأوسط.
وُضعت في ممرٍ موجود في القلعة لوحة كتب عليها موسى: "علمتني الحياة أنّ هذا العالم لن يتوقف عن استمراره بعد موتي، كما أنّ الأرض لن تحجم عن دورانها والشمس لن تكف عن شروقها وغروبها".
المقالات المتعلقة بأين قصر موسى