نشأت الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان، بعد أن تنازل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الحكم؛ لتوحيد صفوف الإسلام، ودرءاً للفتنة، ورغبة في قمع الفتنة، فاستقرّت بها الدولة الإسلامية بعد كثير من المعارك والحروب، واعتُبر العصر الأموي الدولة الإسلامية الشرعية الثانية في التاريخ، بعد فترة العصر الإسلامي الذي حكم فيه الخلفاء الراشدون.
بعد أن استقرّت الدولة الأمويّة واختفت المعارك بشكل عام، اتّجه الخلفاء، على رأسهم مؤسس الدولة معاوية بن أبي سفيان، إلى بناء الأعمدة الأساسية فيها، فأنشأ الدواوين، ونظّم المراسلات، وأرسى القواعد السياسية للدولة، كما عزّز الفتوحات الإسلامية وشجّع على الجهاد. ونجد الخلفاء الأمويّون قد اهتمّوا بالعلم والشعر تماماً كاهتمامهم بأمور الدولة المختلفة، فتنوّعت الموضيع والمدارس والطوائف الشعرية. [١]
الشعر في العصر الأمويأجمع المؤرخون أن الشعر في الأموي كان صقلاً للآداب الجاهلية، وولادة الآداب الإسلامية، ثم بدأت حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، [٢] إلا أن الجدير بالذكر أن الشعر في العصر الأموي انقسم إلى طوائف سياسية عديدة، كلُّ شاعر عبّر بآرائه واتّجاهه السياسي في شعره، إلى جانب شعر الغزل العذري الذي توضّحت سماته الفنّية في هذا العصر، إضافة إلى الطوائف الأخرى، مثل شعراء النقائض، وشعراء الطبيعة، وشعراء الزّهد، وشعراء اللهو والمجون وغيرهم. [٣]
أهم شعراء العصر الأمويما يأتي أهم شعراء العصر الأموي مقسّمين حسب الميول الشعرية:
شعراء المديح والهجاءمن أهم المواضيع الشعرية انتشاراً وتوسّعاً، إذ جاء المدح متأثراً بالاتجاهات السياسية والحزبية، ولهذا الأمر أصبح طريقةً للتكسّب خاصة لدى شعراء الأمراء والخلفاء، وأصبح الشعراء يسعون جاهدين ليحظوا على هذه المرتبة العالية المميزة، وهذا الأمر جعل المديح مليئاً بالطمع والكذب والنفاق الواضح. ومع تطوّر المديح تطوَّرَ الهجاء معه، وتنوّع وتفرّع، لتدخل فيه الفرق السياسية، والمذهبية، والطائفية، والقبَليّة، والفردية أيضاً.[٤]
الطّرماح بن الحكيم، شاعر فحل من شعراء العرب، ولد وتربّى في الشام ثمّ انتقل إلى الكوفة ليصبح معلّماً فيها، وكان من الخوارج، كان هجّاءً مميّزاً، صديقاً للشاعر الكُميت والذي كان بدوره أحد شعراء المديح المميّزين في ذلك العصر. قال فيه الجاحظ أنّه كان قحطانيّاً عصبيّاً.[٥]
من جميل ما قاله الطرماح في الهجاء ما يأتي:
إنَّ بمعنٍ إنْ فخرتَ لمفخراً
وفي غيرِهَا تبنَى بيوتُ المكارمِ
مَتَى قُدْتَ يَا بْنَ العَنْبَرِيَّة ِ عُصْبَة ً
مِنَ النَّاسِ تَهْدِيها فِجَاجَ المَخَارِمِ
إذا ما ابنُ جدٍّ كانَ ناهزَ طيِّئاً
فإنَّ الذُّرى قدْ صرنَ تحتَ المناسمِ
فَقُدْ بِزِمَامٍ بَظْرَ أُمِّكَ، واحْتَفِرْ
بأيرِ أبيكَ الفسلِ كرَّاثَ عاسمِ
شعراء النقائضشعر النقائض هو نوع من أنواع شعر الهجاء بين شاعرين أو أكثر، يقوم الأول بنظم صيدة يمدح فيها نفسه ويذم الشاعر أو الشعراء الآخرين، فينظم الشاعر الآخر قصيدة يمدح فيها نفسه ويذم الشاعر الأول، بحيث تكون القصيدة موزونة على نفس القصيدة الأولى وقافيتها، إلا أنّها تفوقها في المعاني.[٦]
من أشهر شعراء النقائض في العصر الأموي: جرير، والأخطل، والفرزدق:
من جميل ما قاله الأخطل ما يأتي:
أجريرُ إنّك والذي تَسْمو لَهُ
كأسيفَة ٍ فَخَرتْ بحَدْجِ حَصانِ
حملتْ لربتها، فلما عوليتْ
نسلتْ تعارضها مع الأضغان
أتَعُدُّ مأثُرة ً لغَيْرِكَ ذكْرُها
وسناؤها في غابرِ الأزمانِ
في دارِمٍ تاجُ المُلُوكِ وصِهْرُها
أيامَ يربوعٌ مع الرعيانِ
متلففٌ في بردة ٍ حبقية ٍ
بفناء بيتِ مذلةٍ وهوانِ
يَغْذو بنيهِ بثَلّةٍ مَذمومَةٍ
ويكونُ أكبرَ همهِ ربقان
سبقوا أباك بكلّ مجمعِ تلعةٍ
بالمجدِ، عند مواقفِ الركبانِ
فإذا رأيتَ مجاشعاً قد أقبلتْ
رجَحوا، وشال أبوك في الميزانِ
فإذا كُلَيْبٌ لا تُوازِنُ دارِماً
عِفَواتُهُ وسُهولَةُ الأعْطانِ
فاخسأ إليكَ كليبٌ، إن مجاشعاً
وأبا الفوارسِ نهشلاً أخوانِ.
من جميل ما نظمه جرير من الشعر ما يأتي:
لَوْلا ابنُ حَكّامِ وَأشْرَافَ قَوْمِهِ،
لشقَّ على سعدْ بن قيسٍ حنينها
أما خفتني يا حنبُ إذْ بتَّ لاعباً
و باتتْ لقاحي ما تجفُّ عيونها
فَيا جَنبُ قد أسلَفتَ في الحَزْنِ دِينة ً
عَسَتْ تُقتَضَى من أُمّ جَنبٍ ديونُهَا
وَأقْرَضْتَ قَرْضاً سوْفَ تُجزَى بمثْله
وحربتَ أسداً ما يرامُ عرينها
فَلَوْ صّادَفَتْ تلكَ الحجارَة ُ رَأسَهُ
لغادرتَ أمَّ الرأسِ تغلي شؤنها
فكَيفَ تَقُولُ الله يُزْكى صَحيفَة ً
بعنوانها جنبٌ وجنبٌ أمينها
أيا جنبُ قدْ كانتْ تميمةُ حرة ً
ولكنها بئسَ القرينُ قرينها
و ما فارقتْ يا جنبُ حتى حبستها
مسلسلةً وافي الهلالُ جنونها.
من جميل ما قاله الفرزدق في الشعر ما يأتي:
إذا لاقَى بَنُو مَرْوَانَ سَلّوا
لِدِينِ الله، أسْيَافاً غِضَابَا
صَوارِمَ تَمْنَعُ الإسْلامَ مِنْهُمْ
يُوَكَّلُ وقْعُهُنّ بِمَنْ أرَابَا
بِهِنّ لَقُوا بِمَكّةَ مُلْحِدِيها
وَمَسكِنَ يُحسِنونَ بها الضِّرَابَا
فَلَمْ يَتْرُكْنَ مِنَ أحَدٍ يُصَلّي
وَرَاءَ مُكَذِّبٍ إلاّ أنَابَا
إلى الإسْلامِ، أوْ لاقَى، ذَمِيماً
بهَا رُكْنَ المَنِيّةِ وَالحِسَابَا
وَعَرّدَ عَن بَنِيهِ الكَسْبُ مِنهُمْ
وَلَوْ كانُوا ذَوِي غَلَقٍ شَغابَا.
شعراء الغزل الصريحبدأت جذور هذا النوع من الغزل منذ العصر الجاهلي، واشتهر امرؤ القيس به، ثم جاء عصر الإسلام ليهذّب النفوس، وما لبث أن عاد مرذة أخرى للظهور في الحجاز بانفتاح الدولة الإسلامية على الحضارات الأخرى، ويُعدّ رائد هذا الغزل في العصر الأموي عمر بن أبي ربعية، وساعد كل من العرجي والأحوص ويزيد بن الطئرية في ترسيخ قواعده. [١٠]
عمر بن أبي ربيعة: لُقّب هذا الشاعر بالعاشق، فقد تميّز شعره بالغزل والمجون، كما تميّزت بعض أشعاره بالخلاعة، اشتُهر هذا الشاعر بقصائده الغزلية الصريحة بسبب اختلاطه الكبير بالنساء؛ فقد عاش حياة الترف والغنى، وقد كان يغازل غزلاً صريحاً واصفاً مفاتن المرأة بصورة جريئة، ومن أبرز الإضافات التي أضافها ابن أبي ربيعة لشعر الغزل هو أسلوب الحوار، بالإضافة إلى الليونة والسهولة في الألفاظ التي جعلت من شعره مادة خصبة للغناء بسبب الأوزان الرائعة التي تمتّع بها. [١١]
من جميل ما قال من الشعر ما يأتي:
صرمتْ حبلكَ البغومُ، وصدتْ
عَنْكَ، في غَيْرِ رِيبَةٍ، أَسْمَاءُ
وَکلْغَواني إذا رأَيْنَكَ كَهْلاً
كانَ فيهنّ عن هواكَ التواء
حبذا أنتِ يا بغومُ وأسما
ءُ، وعِيصٌ يَكُنُّنا وَخَلاءُ
وَلَقَدْ قُلْتُ لَيْلَة الجَزْلِ لَمّا
أَخْضَلَتْ رَيْطَتي عَلَيَّ السَّماءُ:
لَيْتَ شِعْرِي وَهَل يَرُدّنّ لَيْتٌ
هلْ لهذا عندَ الربابِ جزاء؟
كلُّ وصلٍ أمسى لديّ لأنثى
غيرها، وصلها إليها أداءُ
كُلُّ أنثى وإنْ دَنَتْ لِوِصالٍ،
أَو نَأَتْ، فَهْي لِلرَّبَابِ فِدَاءُ
فعدي نائلاً، وإن لم تنيلي،
إنَّما يَنْفَعُ المُحِبَّ الرَّجاءُ.
شعراء الغزل العذريجاء الشعر العذري نقيضاً للشعر الصريح، فكان حبّاً ينبع من الروح وليس الجمال الجسدي، وكان الشاعر إن لم يتزوّج محبوبته يهيم على وجهه في الصحراء حتى يموت على حبّها. من أشهر شعراء الغزل الصريح قيس بن الملوّح، وقيس بن ذريح، وجميل بن معمر، وعروة بن حزام.
قيس بن الملوح: عُرف هذا الشاعر بلقب مجنون ليلى بسبب حبه لليلى العامرية، وهو أحد القيسين، يعتبر أحد أبرز شعراء العصر الأموي، وأحد أبرز الشعراء العرب على الإطلاق، تزوّج محبوبته إلا أنّه لم يُرزق بأولاد منها، فأُجبر على تطليقها، إلا أنّه جُنّ جنونه وهام على وجهه، ولم يهدأ حتى تزوّجها مرة أخرى، وعندما مرضت وماتت لازم قبرها حتى مات ودُفن إلى جانبها. [١٢]
من جميل ما قاله من الشعر ما يأتي:
تُبَاكِرُ أمْ تَرُوحُ غداً رَوَاحا
وَلَنْ يَسْطِيعَ مُرْتَهَنٌ بَرَاحَا
سقيمٌ لا يُصَابُ له دواءٌ
أصَابَ الُحبُّ مُقْتلَهُ فَنَاحَا
وعذَّبهُ الهوَى حتَّى بَرَاهُ
كَبَرْيِ القَيْنِ بالسَّفنِ القداحَا
فَكَاَد يُذِيقُهُ جُرَعَ المَنَايَا
وَلَوْ سَقّاهُ ذلِكَ لاسْتَرَاحَا
شعراء الزهدظهر شعر الزهد بسبب تأثير الدعوة الإسلامية وما شجّعت عليه من الأخلاق الحميدة، والإقبال على العمل الصالح، والزهد في الدنيا، وتُعتبر حركة شعر الزهد ردّاً على شعر المجون واللهو والخلاعة. عمد شعراء الزهد إلى الابتعاد عن الدنيا وتجنّب مخالطة الناس خوفاً من الفتنة، إلا أن اللافت للنظر أن الكثير منهم اتّجه إلى الوعظ وتذكير الناس بتعاليم الإسلام، أشهرهم الحسن البصري.[١٣]
أبو الأسود الدؤلي من أعلام شعراء الزهد في العصر الاموي، عالم نحويّ، وفقيه، وصديق لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، آثاره في النحو واللغة أكثر من الشعر، شهد حادثة صفّين إلى جانب معاوية بن أبي سفيان. له من الشعر ما كتبه في المدائح، والهجاء، والغزل، إلى جانب الزهد. [١٤]
من جميل الشعر الذي نظمه الدؤلي ما يأتي:
لَعَمري لَقَد أَفشَيتُ يَوماً فَخانَني
إِلى بَعضِ مَن لَم أَخشَ سِرّاً مُمَنَّعا
فَمَزَّقَهُ مَزقَ العَما وَهوَ غافِلٌ
وَنادى بِما أَخفَيتُ مِنهُ فَأَسمَعا
فَقُلتُ وَلَم أَفحَش لَعاً لَكَ عالياً
وَقَد يَعثرُ الساعي إِذا كانَ مُسرِعاً
فَلَستُ بِجازيكَ المَلامَةَ إِنَني
أَرى العَفوَ أَدنى لِلسَّداد وَأَوسَعا
وَلَكِن تَعلَّم إِنها عَهدُ بَينِنا
فَبِن غَيرِ مَذمومٍ وَلَكِن مودَّعا
حَديثاً أَضَعناهُ كِلانا فَلَن أُرى
وَأَنتَ نَجيّاً آخِرَ الدَهرِ أَجمَعا
وَكُنتَ إِذا ضَيَّعتَ سِرَّك لَم تَجِد
سِواكَ لَهُ إِلاّ أَشَتَّ وَأَضيَعا.
المراجعالمقالات المتعلقة بأهم شعراء العصر الأموي