إنّ الصبر على المصائب والشدائد من أبرز الصّفات التي دعا الإسلام للالتزام بها، وقد جاءت في ذلك الكثير من النصوص من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وإنما يدلّ ذلك على أهمية الصبر ولزومه وقت الأزمات؛ حيث إنّ للصبر العديد من الثمار التي يجنيها صاحبها إذا ما صَبر وقت نزول المصيبة عليه.
بيّن المُصطفى - عليه الصلاة والسلام - أنّ الصبر إنما يكون في ابتداء المصيبة لا بعد حدوثها وانتهاء تأثيرها بفترة، ويقول الله عز وجل في ذلك أيضاً: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)؛[١] فالبلاء سُنَّة الله في خلقه وهذه السنة لا تتغيّر ولا تتبدل، ولكن العاقل من يَصبر وينتظر الفرج من الله ولا يطلبه من غيره، والجاحد لنعم الله لن يَصبر على البلاء؛ لأنّه لا يعي أن أصل البلاء إنّما أراده الله سبحانه وتعالى له ليختبر صبره وشكره من جحوده وكفره.
معنى الصبرالصبر في اللغة: بمعنى الحبس، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)[٢]، قال ابن تيمية رحمه الله في معنى الصبر الجميل الوارد في الآية: الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه، وقال مجاهد رحمه الله: هو الذي لا جَزع معه، وللصبر أقسامٌ ثلاثة هي: الصبر على الطاعات، والصبر عن المحرّمات، والصبر على الابتلاءات، وبهذا يُمكن أن يقال في تعريف الصبر في الاصطلاح: أنّه الثبات على أحكام الكتاب والسنة، وحبس النفس عن الجَزع والسخط.[٣]
الأحاديث الواردة في الصبروردت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكثير من الأحاديث في ذِكر ضرورة الصبر وفضله وأهميّته، ومكانة الصابر والصابرين في الإسلام، ومن الأحاديث التي جاءت بخصوص موضوع الصبر والصابرين:
الصبر بابٌ لتكفير السيئاتيعد الصبر من أهم وأوسع أبواب تكفير الخطايا والذنوب والسيئات؛ حيث روي أنّ - النبي صلى الله عليه وسلم - قال: (ما يصيبُ المؤمنَ من وصبٍ ، ولا نصبٍ ، ولا سقمٍ ، ولا حَزنٍ ، حتَّى الهمَّ يُهمُّه، إلَّا كفَّر به من سيِّئاتِه)،[٤] وروى البخاري بسندٍ صحيح أن - النبي صلى الله عليه وسلم - قال: (ما مِن مصيبةٍ تصيبُ المسلِمَ إلَّا كفَّرَ اللَّهُ بِها عنهُ ، حتَّى الشَّوكةِ يُشاكُها)،[٥]
البلاء للصابر دليل رضا الله عنهمن يبتليه الله فإنّه يرد به بذلك خيراً، فكما مرَّ سابقاً أنّ المصائب بابٌ لتكفير الخطايا، فكثرة البلايا تذهب الخطايا، فيكون العبد بذلك طاهراً نقيّاً من الذنوب مُقرّباً من الله، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: (من يُرِدِ اللَّهُ بِه خيرًا يُصِبْ مِنهُ)،[٦] كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً في روايةٍ أخرى: (إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم ، فمن رضِي فله الرِّضا ومن سخِط فله السُّخطُ).[٧] وقد روي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ).[٨]
بالصبر يزداد المسلم قرباً من الله تعالىإنّ المسلم إذا كان الله قد اختار له مَنزلةً رفيعةً عنده ثم لم يُبلغها بالعمل الصالح فإن الله يبتليه بمرضٍ في جسمه أو أحد أولاده، حتى يصل إلى تلك المنزلة إن صبر على البلاء، وقد رُوي في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنَّ العبدَ إذا سبقت له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغْها بعمله ابتلاه اللهُ في جسدِه أو في مالِه أو في ولدِه ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقت له من اللهِ تعالى)،[٩] وروي في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ).[١٠]
الصبر دليلٌ على قوة وصدق الإيمانذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ المؤمنِ؛ إنَّ أمرَهُ كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحَدٍ إلَّا للمؤمنِ؛ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضَرَّاءُ صَبَرَ فكان خيرًا له)،[١١] فالمؤمن إن أصابه ضرٌ أو بلاءٌ علم أن الله وحده من قدّر ذلك؛ فصبر على قضاء الله وقدره، وعلم أنّ لا مردَّ لأمر الله إلا من عند الله، فكان صبره خيرٌ له، وإن أصابه خيرٌ علم أن الله عز وجل هو من يسَّر له ذلك الخير فشكره على ما أنعم به عليه، وكان ذلك أيضاً خيراً له.[١٢]
الصبر أفضل ما يُعطى العبدروي أنّ أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (إن ناسًا من الأنصارِ، سألوا رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فأعْطَاهم، ثم سألُوهُ فأعْطاهم، حتى نَفِدَ ما عندهُ، فقال: (ما يكون عِندَي من خيرٍ فلن أدَّخِرَهُ عنكم، ومن يستعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللَّهُ، ومَن يتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِنَ الصَّبرِ).[١٣]
من الجدير ذكره أنّ الأحاديث الواردة في فضل الصّبر وأهميته وقيمته ومكانة الصابرين وأجرهم عند الله وعلو منزلتهم كثيرةٌ حتى أكثر من أن تحصى، ممّا يُشير إلى أهميّة الصبر وأفضليّة الصابرين، ولذلك اكتُفي هنا بذكر بعض تلك الأحاديث التي تتفق أو تشترك مع باقي تلك النصوص والأحاديث بالمعنى والموضوع.
المراجعالمقالات المتعلقة بأحاديث الرسول عن الصبر