هناك الكثير من الأسماء والمُصطلحات عبرَ التاريخ أخَذَت صفةً دائمة؛ بحيث أضحت لا تُعرف إلاَ به، ومِن الظُلم بمكان أن تبقى بعض الأسماء الجائرة بحقّ أقوامٍ مُعيّنين وأشخاصٍ بعينهم، ومِن بين مَن أُطلقت عليهم تسمية والتصقت بهم هُم المماليك، وكلمة مملوك في اللغة العربيّة تعني الرقيق الذي يُباعُ ويُشترى.
المماليكاقترحَ بعضُ المؤرّخين أن يُطلقَ على المماليك لقبُ الأفذاذ بدلاً من المماليك؛ لأنّ من أحسَنَ إلى هذهِ الأمة وحَمى حياضها أولى بالاسم الطيّب والمعنى الحَسَن، ولكن في هذا المقال من باب عَدَم الخلط سنلتزم اللفظ الشائع مع عِلمنا وتأكيدنا على شجاعتهم وبُطولتهم وفضلهم؛ فالمماليك هُم قومٌ استقطبوا من بلاد التُرك وبلاد ما وراء النهر( وهيَ مناطق شرق آسيا)، وبالتحديد: تركستان، والقوقاز، وآسيا الصُغرى، ومِنهُم أيضاً الشراكسة، والأكراد، والروم، وقد تمَّ استقطاب بعضٍ منهم من البلاد الأوروبيّة أيضاً.
وقَد كانَ استقطاب المماليك لأول مرَة في العهد الأمويّ خصوصاً بعد الفُتوحات الإسلاميّة التي دخَلَت بلادَ التُرك وما وراء النهر ومناطق آسيا الصُغرى؛ حيث تمَّ تجنيدهم في صفوف الجيش الأمويّ مِن قِبَل والي بني أميّة على خُراسان نصر بن سيَار، وكانَ هذا أوّل عهدهم بالانخراط في جسم الدولة الإسلاميّة. وقد أثبت المماليك بسالةً واضحةً وفُروسيّة عزّ نظيرها، وشجاعةً في الحرب، وقد أهّلتهم كفاءتهم بالإقدام على تَقَلُّد مناصب عُليا في الدولة الإسلاميّة خُصوصاً في العهد العباسيّ، فقد بلَغوا أعداداً كبيرة لدرجة أنَّ الخليفة المُعتصم العباسيّ أقطَع لهُم مدينةً لِتكونَ حاضرةً لهُم وهي مدينة سامرّاء.
وازداد عدد المماليك في التواجد السياسي والعسكريّ في عهد الملك الأيوبيّ الصالح نجم الدين أيوب، فقد كانَ قريباً منهم، وقد اعتنى بهم كما يعتني الرّجل بأولاده وذويه، وقَد أُطلِقَ على هؤلاء المماليك في عهده اسم المماليك البحريّة لأنّهُم كانوا في منطقة النيل عند ثكناتهُم العسكريّة، وتُسمّى المماليك في عهد الملك الصالح نجم الدين أيّوب- وهُم المماليك البحريّة- بالمماليك الصالحيّة أيضاً.
وقد تمكّن المماليك من الحُكم في بلاد مصر، فتولّى الملك عزّ الدين أيبك الحُكم بعدَ زواجه من شجرة الدرّ، وأضحى اسمهم في عهده بالمماليك المُعزية. وكانَ للمماليك دورٌ بارز في التخلّص من آخر معاقل الصليبيين في المنطقة، والأهمّ من ذلك والّذي سجّلهُ لهُم التاريخ بماء الذهب هوَ تخلصّهم من الزحف المغوليّ والقضاء عليهِم في واحدةٍ من أهمّ المعارك عبرَ التاريخ وهيَ معركة عين جالوت عام 658 للهجرة؛ حيث قامَ القادة العُظماء قُطُز والظاهر بيبرس وجيش المماليك الأبطال بدحر المغول واستئصال شأفتهم.
المقالات المتعلقة بمن هم المماليك ومن أين جاؤوا