من إخترع البارود

إن مادّة البارود المشهورة والتي أصبحت مقترنة بالسلاح، لا يعرف من هو مكتشفها الأوّل حتى الآن، ولكن مهما تضاربت الآراء والترجيحات حول من اكتشف البارود أو من اخترعه، ومهما أكّد البعض بأنّ اختراع البارود يعود للصينيين ولا أحد سواهم، أو أنّ العرب هم أول من اكتشفوه، يبقى الاختلاف القائم حول أوّل من استخدمه واستعمله متواجداً، بالرغم من اتفاق الجميع على أنّ العرب هم أوّل من استعملوا البارود واستخدموه، فما هو البارود؟ وكيف وأين استخدمه العرب؟

تعرّف مادة البارود بأنها ذلك الخليط المتميّز بسرعة اشتعاله، واحتراقه، وتفجيره، وهو ذو شكل صلب وذو كثافة عالية، وعند اشتعاله تصدر عنه الغازات بكمية كبيرة، وله آثار تدميرية هائلة، لذلك فهو يستخدم في الأغراض العسكرية ويستخدم كذلك في الأغراض العمرانية على حد سواء.

إن أول من استخدم البارود في الأغراض العسكرية هم العرب، وليس من باب الصدفة بأنّ البارودة تنسب إليه ومشتقة من اسمه، وقد حفل تاريخهم العسكري الطويل بسلسلة من الأحداث والوقائع التي استخدموا فيها البارود في الشؤون الحربية الدفاعية والهجومية، ومن تلك الوقائع الثورة التي قام بها الزنوج والتي سميّت بثورة الزنج في مدينة البصرة في العراق عام واحد وسبعين هجرية وقد أكّدت الروايات قيامهم باستخدام البارود أبان ثورتهم كسلاح جديد وغريب ورادع، ثم بعد ذلك استخدمه العرب في العديد من حروبهم، مثل الحرب التي شنوها في عام خمسمائة وأحد عشر للهجرة أثناء حصارهم لسرقسطة، واستخدموه بعد ذلك في حصارهم لسجلماسة عام ستمائة واثنين وسبعين للهجرة، ثم بعد ذلك استخدموه في القرن الرابع عشر في حروبهم ضد الأسبان في الأندلس وتحديدا في غرناطة، ومن بعد ذلك استخدمه العثمانيون أثناء حصارهم لمدينة القسطنطينية عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين ميلادية، ثم توالت من بعد ذلك استخداماته من قِبل العرب ومن قِبل غيرهم من الأقوام التي أخذته عنهم، وطوّرت عليه وبات يستخدم في أشد الأسلحة فتكاً بالحجر والبشر بآن واحد.

ولكن ذلك لا يعني بأنّ البارود ظلّ حكراً على الاستخدام العسكري فقط، بل إنه بات يستخدم وحتى وقتنا هذا في الأعمال البنائية، والإنشائية، والعمرانية أيضاً، وفي تمهيد الأرض وتسويتها لوضع أساسات البناء، وشق الطرق، والجسور، والسدود، والأنفاق، وبات يستخدم بشكل عام في التخلّص من العوائق الطبيعية التي تسدّ طريق شارعٍ أو تعترض مرور قناة، ولا زال حتّى وقتنا هذا يستخدم في المحاجر لإنتاج حجارة ومواد البناء.