اصطدمت الدعوة الإسلاميّة عند ظُهورها بأعداء بارزوها المُحاربة ونصبوا لها مجانيق العداء والكيد، فما جاء نبيٌّ بالتوحيد ونبذ الفِكر الضالّ المُنحرف إلاَ وجد عداوة شياطين الإنس والجنّ الّذين يُريدنَ في الأرض فساداً، وقد كانَ أهل مكّة من المُشركين من أشدّ أهل الأرض عداوةً للنبيّ المُصطفى عليه الصلاة والسلام، وكانَ هذا العداء سبباً في هجرته وأصحابه إلى المدينة المنوّرة، وتكوين الدولة الإسلاميّة التي نشَرت العدل والرحمة بين العالمين.
وقد غزا النبيّ صلّى الله عليهِ وسلّم في سبيل الله الّذين قاتلوه وأخرجوه من دياره، حتّى حدثَ بينهُم صلحٌ في الحديبيّة الذي اشترطَ فيه المشركون أن تضعَ الحرب أوزارها بين الطرفين، وأن يؤجّل النبيّ صلّى الله عليهِ وسلّم عُمرته التي كانَ ينوي أداءها في وقت صُلح الحُديبيّة، فحلق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأسَهُ وذبحَ هديَهُ، وأمر المُسلمين بذلك.
متى كانت عُمرة القضاءلأنّ العُمرة التي أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يؤدّيها لم يتمكّن من أدائها في عام الحُديبيّة قام بأدائها في العام الّذي تلا الحُديبيّة، وهذهِ العُمرة تُعرف في تاريخ السيرة النبويّة بعُمرة القضاء، وقد كانت عُمرة القضاء في شهر ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة. وقَد خرَجَ رسول الله صلّى اله عليهِ وسلّم في ذي القعدة 7 هجريّة من المدينة المنوّرة مُحرماً مُلبيّاً للعمرة، ومعهُ كلّ من شهدَ الحُديبيّة إلاَ من توفّاه الله من الصحابة أو استشهدوا في غزوة خيبر، وكانَ عدد الّذين خَرجوا يُريدون عُمرة القضاء قرابة ألفين من الرّجال سوى النساء.
وسارَ صلّى الله عليهِ وسلّم وهو ملبٍّ ومُحرم ومعه الصحابة الكِرام في حال التلبية، وقد أخذوا معهم أسلحتهُم واحتاطوا لأنفسهم من حيث العدد والعُدّة، فقد جهّزهُم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسلاح الكامل، وجعل مائتين من الفُرسان يتقدّمون طليعة المُعتمرين من المُسلمين وبقيادة مُحمّد بن مسلمة رضيَ الله عنه، وذلك لأنّهُ صلّى الله عليهِ وسلم لم يَكُن يأمن غدرَ المُشركين الّذين لو رأوه في عُزلةٍ أو قلّةٍ من الرجال والعدد والعُدّة لأنقضوا على الرسول عليه الصّلاة والسلام وعلى أصحابه، وعندما علِمت قُريش بأنَّ رسول الله جاءهُم ومعهُ السلاح والفرسان أخرجوا لهُ رجلاً يُدعى مكرز بن حفص ومعهً من رجال قُريش يسألونهُ عن سبب السلاح الّذي معهُ، وبأنّهُ لم يكن الاتّفاق أن يأتي ومعهُ السلاح، ولكنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرهُ أنّهُ لم يأتِ مُقاتلاً هذهِ المرّة أيضاً، وإنّما سَيُبقي السيوف في أغمادها حينَ يدخُل مكّة.
وعندما دخَلَ رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم مكّة المُكرّمة واستقبل البيت الحرام أمرَ الصحابة أن يطوفوا بالبيت وأن يرملو في الأشواط الثلاثة وأن يكشفوا عن كتفهم الأيمن فتكون حركتهم ونشاطهُم دليلاً على قوّة المُسلمين وطرداً للشائعات التي تقول بأنَّ المُسلمين قد أصابتهم حُمّى يثرب، فكانَ في هذا العام أن تمّت لرسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم ولصحابتهِ الكرام عُمرة القضاء عن التي كانوا يُريدونها عام الحُديبيّة.
المقالات المتعلقة بمتى كانت عمرة القضاء