كانت رحلة الصّحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه في البحث عن الحقيقة رحلةً مشوبةً بالمغامرة والعزيمة المتوقّدة، فقد كان همّ سلمان الفارسي أن يجد الدّين الّذي يطمئن إليه قلبه وينشرح له صدره، فيتّبعه عن حبّ واقتناع، وقد كان سلمان الفارسي في بداية حياته مجوسيًّا من أهل أصفهان من بلاد فارس، وقد كانت ديانة أهله مبنيّةً على تقديس النّار وعبادتها من دون الله تعالى.
وقد حدث مرّةً أن بعثه أبوه إلى ضيعةٍ كان يملكها حتّى يتفقّد أحوالها، فوجد في طريقه جماعةً من النّاس يتعبّدون في كنيسة فأعجبته صلاتهم، فسأل عنهم وعن كبيرهم، فقالوا له كبيرنا هو الأسقف وهو في بلاد الشّام، فعزم سلمان على الرّحيل إلى الشّام فجهّز رحله ومتاعه قاصدًا تلك البلاد للقاء الأسقف والاستماع إليه، فأقام في الشّام فترةً من الزًمن يدين بالنّصرانيّة، ثمّ انتقل إلى الموصل من أرض العراق، ثمّ إلى عموريّة من أرض الرّوم، وعندما اقترب أجل رجل الدّين الّذي كان سلمان يقصده ويتعلّم منه طلب منه سلمان أن يدلّه على رجل دينٍ يمكث عنده ويتعلّم منه أمور الدّين، فقال له إنّه قد أظلّ زماننا موعد ظهور نبيّ، وأنّه سوف يخرج في جزيرة العرب، وقد وصف له المكان الذي يهاجر إليه هذا النّبي وهو المدينة المنوّرة.
وبعد ذلك توجّه سلمان الفارسي مع ركبٍ متّجه إلى جزيرة العرب، لتحطّ به الرّحال أخيرًا في المدينة المنوّرة بعد أن تعرّض للبيع على يد من كانوا معه؛ حيث اشتراه أحد يهود بني قريظة، وقد ذهب إلى النّبي عليه الصّلاة والسّلام فرأى علامات النّبوة، وكيف أنّه لا يأكل الصّدقة ويقبل الهديّة، وعلى ظهره خاتم النّبوة، فآمن سليمان بدعوة الله بعد رحلةٍ طويلة في البحث عن الدّين الحقّ.
وقد كان سلمان الفارسي من الصّحابة الأجلّاء ذوي المكانة عند رسول الله والمؤمنين، وقد أشار على المسلمين في غزوة الأحزاب بحفر الخندق الّذي كان فكرةً رائدةً حملت النّاس على أن ينسبوا سلمان إليهم، فقال المهاجرون سلمان منّا، وقال الأنصار سلمان منّا؛ فحسم النّبي الكريم الخلاف بينهم بقوله سلمان منّا أهل البيت.
وقد مدحه كثيرٌ من الصّحابة، ولقّبه سيّدنا علي ابن أبي طالب بلقمان الحكيم؛ حيث قرأ الكتاب الأوّل والآخر، وهو بحر علمٍ لا ينزف. وقيل في بعض الرّوايات إنّ سلمان رضي الله عنه عاش ثلاثمئة وخمسين سنةً، وقيل مئتان وخمسين سنة، ورجّح العلماء منهم الذهبي أنّه عاش بضعًا وسبعين سنة؛ حيث توفّي سنة 35 أو 36 للهجرة رحمه الله تعالى ورضي عنه.
المقالات المتعلقة بمتى توفي سلمان الفارسي