ما هي الدولة المدنية

ما هي الدولة المدنية

الدولة المدنيّة

تُعرّف الدولة المدنيّة بأنّها الدولة التي تحمي كلّ أعضاء المجتمع وتحافظ عليهم دون النظر إلى انتماءات الأعضاء الدينيّة، أو القوميّة، أو الفكريّة، وتقوم الدولة المدنيّة على عدة مبادئ، ومنها ألا يخضع أيّ فرد فيها لأي انتهاكات لحقوقه، أو أي تهديد بالانتهاك، وبتعريف آخر فإنّ الدولة المدنيّة هي الدولة التي تطبق القانون، وبالتالي فإنّها تمنع الأطراف من تطبيق أي شكل من أشكال العقاب بأنفسهم.

مبادئ الدّولة المدنيّة

تقوم الدولة المدنيّة على مبدأ الثقة في عمليّات التبادل والتعاقد على اختلافها، إضافة إلى مبدأ المواطنة الذي لا يُعرّف الفرد بدينه، أو مهنته، أو ثروته، أو إقليمه، أو سلطته، إنما يفرض عليه تعريفاً اجتماعيّاً قانونيّاً وهو مواطن، أي أنّه عضو من أعضاء المجتمع الذي له حقوق وعليه واجبات تجاه مجتمعه، والتي يتساوى فيها مع كافة المواطنين.

من المبادئ المهمة الأخرى للدولة المدنيّة أنّها تتأسس على نظام مدني يتكوّن من العلاقات القائمة على التسامح، والسلام، والمساواة، وقبول الآخر، والمساواة بكافة الحقوق والواجبات، والثقة في عمليّات التبادل والتعاقد، وتشكل هذه القيم ما يطلق عليه اسم الثقافة المدنيّة، وتتأسس هذه الثقافة على مبدأ الاتفاق ووجود الحدّ الأدنى من القواعد التي يتمّ اعتبارها من الخطوط الحمراء التي يحظر تجاوزها.

من المبادئ المهمّة التي تقوم على أساسها الدولة المدنيّة عدم الخلط بين السياسة والدّين، وهذا لا يعني أن تعادي الدولة المدنيّة الدّين أو ترفضه، بل أن يبقى قائماً في الدولة كأحد عوامل البناء الأخلاقي في المجتمع، إضافة إلى خلق طاقة الإنجاز والعمل والتقدّم فيه، والرفض في هذه الدّولة يكون في استخدام الدّين في سبيل تحقيق أهداف سياسيّة، حيث إنّ هذا الأمر يتنافى ومبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنيّة، إضافة إلى أنّ هذا الأمر يعتبر من أهمّ العوامل التي تحوّل الدّين إلى موضوع جدلي أو خلافي، وتعرّضه إلى عدد من التفسيرات التي تبعده عن الروحانيّة والقداسة، وتقحمه في المصالح الدنيويّة الضيّقة.

من المبادئ الأخرى التي تقوم على أساسها الدولة المدنيّة مبدأ الديمقراطيّة، والتي تنصّ على عدم أخذ الدولة غصباً عن طريق فرد أو نخبة أو عائلة، أو أرستقراطيّة، أو أيّ نزعة أيديولوجيّة.

نبذة عن نشأة الدولة المدنيّة

ظهرت الدولة المدنيّة نتيجة للتطوّر التاريخي الذي شهدته المجتمعات البشريّة، حيث إنّها تعتبر من الضرورات الموضوعيّة لمواكبة تطوّرات الأوضاع العصريّة التي تتطلب قيام ما يُعرف بالدولة الحديثة، وهذه الدولة تستمدّ تماسكها ووحدتها من وحدة وتماسك مجتمعها، وتقوم هذه الدولة على أربعة قواعد مهمّة يجب أن تتوفر جميعها، ولا يمكن أن توجد بسقوط أو ضعف أحد هذه القواعد، وهي:

  • المساواة المستندة إلى القانون والدّستور، بهدف إقامة المواطنة لكافّة أبناء الشعب بمختلف مكوّناته، دون النظر إلى أي انتماء ديني، أو مذهبي، أو عرقي، أو جنسي، أو اللغة، أو الجهة، أو أي نوع من حالات الإعاقة.
  • الحريّة، والتي تشمل حريّة الضمير والرأي في قضايا ومجلات متعددة سواء كانت سياسيّة، أم فكريّة، أم دينيّة، أم معتقداً، والالتزام باحترام الآخر وعدم الاعتداء على حريّة الرأي عند الآخرين سواء أكانوا أفراداً أم جماعات، أو محاولة التطاول على معتقداتهم أو المساس بها.
  • الحياد، أو حياد الحيّز العام القائم على أساس الفصل بين المؤسسات الدينيّة ومؤسسات الدولة.
  • الشعب هو مصدر السلطات، ومنشأ التشريعات من خلال المؤسسات التي تعبّر عن رأي وإرادة مجموعة من الأفراد والجماعات المرتبطين فيما بينهم بعقد توافقي اجتماعي، من خلال ممثليهم المنتخبين ديمقراطيّاً.

من هنا تحددت قواعد الدولة المدنيّة الأربعة الثابتة في دول الغرب بشكل عام، وأوروبا بشكل خاص، والتي واكبت صعود البرجوازيّة في الدول الأوروبيّة ذات التشكيلة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الأكثر تطوّراً، ومع تطوّر النمط الإنتاجي الرأسمالي على مرّ التاريخ، أدّى هذا الأمر إلى تطوّر قواعد وأسس الدولة المدنيّة على ذات المدى التّاريخي، فتطوّر الدولة المدنيّة هي عمليّة تاريخيّة لم تأتي مرّة واحدة، بل هو تطوّر تدريجي جاء على مر التاريخ.

المقالات المتعلقة بما هي الدولة المدنية