أنزل الله -سبحانه وتعالى- القرآن الكريم، وقد بلغ عدد سُوره مئةً وأربع عشرة سورةً، جعلها الله -سبحانه وتعالى- مُوزَّعةً على ثلاثين جُزءاً، نزلت على المُصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- على مدى ثلاثةٍ وعشرين عاماً، وقد خصَّ الله -سبحانه وتعالى- بعض سُور القرآن، وميَّزها بفضائل عِدّة، ورد ذِكرُها في أحاديث نبويَّة شريفة، وعُرِفت هذه السُّور بين النَّاس بما شاع ذِكرهُ من فضلها، فحَرص المسلمون على تلاوتها والمُداومة عليها، وسورة الإخلاص هي إحدى هذه السُّور الكريمة التي عُرِفت بين المسلمين بأنَّها تعدل ثلث القرآن الكريم، فما سبب نزول سورة الإخلاص، وما هي موضوعاتها التي تناولتها، وما أهمُّ فضائلها وخصائصها؟
سبب نزول سورة الإخلاصقال المُفسِّرون: إنّ سبب نزول سورة الإخلاص، مَردُّه إلى سؤال المُشركين للنبيّ الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- وطلبهم منه أن يَصِف لهم اللهَ سبحانه وتعالى، فأنزل الله سبحانه وتعالى سورة الإخلاص، وأجابهم النَّبيّ الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- عن سؤالهم حول صفات الله تعالى من خلال آيات سورة الإخلاص،[١] حيث رَوى أُبيُّ بن كعب رضي الله عنه: (أنَّ المشرِكينَ قالوا لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: انسِب لَنا ربَّكَ، فأَنزلَ اللَّهُ تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ)،[٢] والصَّمَدُ: الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ؛ لأنَّهُ ليسَ شيءٌ يولَدُ إلَّا سيَموتُ، ولا شيء يموتُ إلَّا سيورَثُ، وإنَّ اللَّهَ لا يموتُ ولا يورَثُ، وَ(لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[٣] قالَ: لم يَكُن لَهُ شبيهٌ ولا عِدلٌ، وليسَ كمثلِهِ شيءٌ).[٤]
وجاء في سبب نزول سورة الإخلاص كذلك أنّ اليهود والنّصارى سألوا النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أن يَصف لهم ربَّه، فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص.[٥]، فرُوِي عن ابن عباس رضي الله عنه: (أنَّ اليهودَ أتوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فقالوا: صِفْ لنا ربَّك الذي تعبدُ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.. إلى آخرها)، فقال: هذه صفةُ ربّي عزَّ وجلَّ).[٦]
تعريفٌ عامٌّ بسورة الإخلاصسورة الإخلاص هي سورةٌ مكِّيَّةٌ نزلت قبل الهجرة، وقد اشتُهِرت في زمن النَّبيّ الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- باسم سورة (قل هو الله أحد)، أمّا اسمها في مُعظم نُسَخ المصحف الشّريف وكتب التَّفسير فهو سورة الإخلاص، ويُذكَر أنَّ سبب تَسميتها بسورة الإخلاص؛ هو ما تجمعه السّورة من المَعاني، وإخلاص العبوديّة لله سبحانه وتعالى وحده، وسلامة العقيدة من الشّرك بالله وأن يُشرَك سواه معه، تعالى الله عن ذلك عُلوّاً كبيراً.[٧]
وسورة الإخلاص هي السُّورة الثانية والعشرون من حيث ترتيب نزول سور القرآن على النَّبيّ الكريم عليه الصّلاة والسّلام، حيث نَزلت هذه السّورة بعد سورة النَّاس، ونَزلت بعدها سورة النَّجم، أمّا من حيث ترتيبها في المصحف الشّريف فهي السُّورة المئة والثانية عشرة، وعدد آياتها أربع آياتٍ.[٨]
موضوع سورة الإخلاصلسورة الإخلاص فضل عظيم؛ إذ تتناول آياتها عقيدة التّوحيد، وهي أعظم الأمور وأعلاها شأناً، كما تتناول موضوع إخلاص العبوديّة لله عزّ وجلّ، وتَعليم عقيدة التّوحيد وتقريرَها في نفوس المؤمنين وعقولهم؛ ليَترسّخ في عقيدتهم أنَّه سبحانه وتعالى واحدٌ أحدٌ؛ واحدٌ فردٌ صمدٌ لا شريك له ولا إلهَ ثانيَ معه، وهو أحدٌ، لا يُكافِئه أو يُماثله أحدٌ أو أيّ شيءٍ في الوجود،[٩] ولا ولد له، ولا يحتاج المخلوقات بينما المخلوقات كلُّها تحتاجه؛ فالكلُّ فقيرٌ إليه وهو سبحانه- الغنيّ عن كلِّ أحد.[١٠]
وفي آيات سورة الإخلاص ذِكر لصفات الله سبحانه تعالى وتعداد لها؛ فقد أمَّر النبيّ الكريم أحد الصّحابة على سَريَّةٍ، وكان يُصلّي بأصحابه إماماً، فيَختم الصّلاة بتلاوة سورة الإخلاص، فأخبر الصّحابة -رضي الله عنهم- بعد رجوعهم النبيَّ الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- بذلك، فأخبرهم أن يسألوا أميرهم عن سبب فعله، فلما سألوه أجاب: إنَّه يُحبّ أن يقرأها؛ لأنّها اشتملت على صفات الرّحمن عزّ وجلّ، فأمر النبيّ الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- أن يُخبروا ذلك الصحابيّ بأنَّ الله يُحبّه لذلك، وجاء في رواية عن السيّدة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِـ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ).[١١]
فضل سورة الإخلاصجاءت السُّنَّة النبويّة الشّريفة برواياتٍ عِدّةٍ، مفادُها الإخبارُ عن سورةٍ من القرآن الكريم، تَعدل قراءتها من حيث الأجر ثُلث القرآن الكريم، وهي سورة الإخلاص، فمن قرأ سورة الإخلاص فكأنَّما قرأ ثلث القرآن الكريم؛ من حيث الأجر والثَّواب؛ فقد رُوِيَ عن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: (أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)،[١٢] يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ).[١٣]
وجاء في رواياتٍ أخرى عن الرّسول الكريم -عليه الصّلاة والسلّام- أنَّ سورة الإخلاص تَعدل في فضلها ومكانتها ثُلث القرآن الكريم؛ حيث ورد عن أبي سعيد الخدريّ: (قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأصحابه: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اللَّهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ).[١٤]
المراجعالمقالات المتعلقة بما سبب نزول سورة الإخلاص