عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب، ثالث الخلفاء الراشدين، وأمير المؤمنين، شديد الحياء، عذب الكلمات، حسن الوجه، واللسان، والابتسامة، من أفضل خلق الله في الجاهلية، والإسلام؛ فهو لم يشرب الخمر في الجاهلية قط، ولم يسجد لصنم قط، ولم يقترف فاحشة قط، من أشد الناس معرفة بأنساب العرب، وأمثالهم، وأخبارهم،وحكمهم وهو من أبهى قريش طلعة، ثريٌ.
تزوج ثماني زوجات كلهن بعد الإسلام، وجاءت كنيته "ذو النورين" لأنه جمع بين ابنتي نبي الله ولم تُعطى لأحد غيره لا قبله، ولا بعده، فلقد تزوج رقية، وتوفيت، ثم تزوج أختها أم كلثوم.
كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر، وعلي، وزيد بن حارثة، وهو في سن الرابعة والثلاثين من عمره، وقد فرح المسلمون بإسلامه فرحاً شديداَ، وأكرمه الله بالزواج من بنت رسول الله رقية.
منذ اليوم الأول من اسلامه لزم النبي، ولم يُفارقه إلا للهجرة بإذنه أو في مهمة من المهام التي يُرسَل لها، وتتلمذ على يديه في مدرسة النبوة في شتّى علوم، ومعارف الحياة، منهجه التربوي الذي استقى منه وتربّى عليه هو القرآن الكريم المنزل من عند رب العالمين، لذا كان في عهد الصديق يؤخذ برأيه في أمهات المسائل.
شخصية عثمان تعتبر قيادية، مكتسبة من العلم، والقدرة، والتوجيه، والتعليم، واللين، والحياء، والزهد، ومجاورة أهل الخبرات، والكفاءات.
حياتهإنّ حياته -رضي الله عنه- صفحة مشرقة في تاريخ الأمة، وامتداد لسيرة الخلافة الراشدة الممتلئة بالسنن، والقوانين النبوية، والقارئ لسيرة الحيي الدمث، والمُتتبع لرحلة حياته، وتحليلها يشتد فخره بعثمان، وهو يوحد الأمة على قراءة المصحف العثماني، ويستشير الصحابة في أمور الاختلاف، ليكون خير خليفة يتأسى الناس بهديه، وبفعله، ويُقر المسلم بعظيم إيمانه، وخلقه المستمد من فهمه، وتطبيقه للإسلام، وصلته العظيمة بالله، واتباعه لهدي رسول الله.
الفتتة في عهد عثمان بن عفانفي الفتنة، يلعب اللسان دوراً أخطر من السيف، بل يكون منشأ الفتن، ومسكنها, وشرار نارها، وتهييج مؤيديها. وفي الفتنة ينقص العلم، إما بموت العلماء، أو بصمتهم، وسكونهم، واعتزالهم إيثاراً للسلامة، وتحقيقاً لسبل الحماية، ويسود حينها الجهل، ويترأس القوم الرؤوساء الجهلاء، ويستعلي السفهاء.
وُلّي عثمان اثنتي عشرة سنة أميراً للمؤمنين، أول ست سنين لم ينقم الناس عليه شيئاً، بل وكان أحب إلى قريش من عمر؛ لشدته، وحزمه في القوانين الربانية، أما عثمان فقد لان لهم، وتحاور معهم، وكان حليماً عفيفاً.
حدثت فتنة في عهده أدت لمقتله؛ بسبب التحول الاجتماعي، تحقيق الرخاء، واتساع الخيرات، والأرزاق، وتقاطر الأموال، فاستولت الدنيا على قلوبهم، وأفسدت عليهم آخرتهم وحرّكت البغضاء بينهم، ومجيء عثمان بعد عمر –رضي الله عنه- واختلاف الطبع بينهما أدى إلى جرأة القوم عليه، وخروج كبار الصحابة من المدينة، وتوقف الفتوحات في آواخر عهده، وانتشار الشائعات الباطلة التي اتهمت عثمان بأنه تصرف في الأراضي الموقوفة على المسلمين وفق هواه، وذلك كذب وافتراء لا أساس له من الصحة، وتآمر الحاقدين المنافقين بالتدبير المحكم لإثارة الفتنة ضده، واستخدام الوسائل، والأساليب المهيجة للناس.
وكانت سياسته –رضي الله عنه- في التعامل مع الفتنة قائمة على الحلم، والتأني، والمشورة، والتثبت، ولزوم الإنصاف، والعدل.
آخر خطبة خطبها عثمانكان آخر لقاء له مع المسلمين بعد أسابيع من الحصار قال لهم: "يا أهل المدينة إني أستودعكم الله، وأسأله أن يُحسن عليكم الخلافة من بعدي. وإني والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا، حتى يقضي الله فيَّ قضاءه، ولأدعنَّ هؤلاء الخوارج وراء بابي، ولا أعطيهم شيئاً، يتخذونه عليكم دخلا في دين أودنيا حتى يكون الله هو الصانع في ذلك ما أحب".
وفي آخر أيام الحصار وهو اليوم الذي قُتل فيه، رأى في منامه وأصبح يُحدّث الناس ليقتلني القوم؛ ثم قال: "رأيت النبي، ومعه أبو بكر وعمر، فقال النبي: يا عثمان أفطر عندنا"، فأصبح صائماً، وقتل من يومه.
وفي ذلك دلالة على نبوءة بقرب أجله، والذهاب إلى رسول الله، وصحابته، وأحبابه.
طريقة قتلههاجم المتمردون دار عثمان، وتصدى لهم جمع من الصحابة يدافعون عن خليفتهم، ويفدونه بأرواحهم، ومهج قلوبهم، غير أنّه -رضي الله عنه- ناداهم وقال: الله الله، أنتم في حلٍّ من نصرتي، فأبوا، لأنه كان واثقاً من استشهاده بشهادة النبي له بذلك، وأراد ألا تُراق دم مسلم بسببه، وتنشب فتنة بين المسلمين.
حرق المتمردون الباب، والسقف، وأهل الدار يثورون، وعثمان يصلي، وقد أبلوا بلاء حسناً في حماية خليفتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهو يدعوهم للانصراف دون قتال، ثم يُكمل صلاته، ويقرأ سورة طه دون خطأ أو تعتعة أو ازعاج؛ يستشعر مراقبة الله له، ويعلم أنه بين يدي الناصر المعين، المقدر للخير، والمصرف للشر.
تمكن عثمان من اقناع المدافعين عنه بضرورة الخروج من الدار، وكان ذلك، فلم يبق في الدار إلاه وآله، وليس بينه، وبين المحاصرين مدافع، ولا حام من الناس، وفتح رضي الله عنه باب الدار.
ضم المصحف بين يديه، وبدأ يقرأ منه، وكان وقتذاك صائماً، فإذا برجل من المحاصرين يدخل عليه، ولما رآه عثمان قال له: بيني وبينك كتاب الله، فخرج الرجل، ودخل آخر أسود البشرة، مصري الجنسية يُقال له: الموت الأسود، فخنقه وكانت روحه لينة وجسده رقيق، فقُتل رضي الله عنه، والمصحف بين يديه، وفار الدم على المصحف الذي كان يحتصنه، ويشعر بالأنس بقربه، وبتلاوة آياته، يقرأ منه في أخطر الأوقات، وأحلكها، غير أن اليقين بالله، وتسليم القضاء له إيمان يسكن قلب عثمان.
ولمّا تم قتله أحلّوا ماله، ونهبوا بيته كله حتى حاجيات النساء، وعاثوا فيه فساداً، ثم اقتحموا بيت المال ونهبوا كل ما فيه.
حقق الخوارج مرادهم، وقتلوا أمير المؤمنين في السنة الخامسة بعد الثلاثين من الهجرة من يوم الجمعة وعمره ( 82عاماً).
حزن أصحابه، والصالحون في المدينة لمقتل خليفتهم، وجلسوا يبكونه فقداً دون أن يستطيعوا فعل شيء، فالخوارج يتنقلون في المدينة ينهبون خيراتها، ويفتكون بيوتها.
قام مجموعة من الصحابة في يوم قتله بغسله، وتكفينه، وحمله، وصلّى عليه الزبير بن العوام، ودفن ليلاً بين المغرب، والعشاء.
موقف الصحابة من مقتل عثمانإنّ صياغة سيرة عثمان بن عفان بمنهج التاريخ الإسلامي ضرورةٌ مُلحةٌ؛ ليحمي الله دينه من الوضَّاعين والكذّابين وملفقي الأخبار والسّير.
وحياة ذو النورين تزحر بالعطاء، والنقاء، والحلم، والحياء، فلنعكف على قراءة نهجه، والسير على خطاه ؛ لأنه -رضي الله عنه- من الأئمة الذين يتأسى الناس بهديه، وبقوله، وفعله، فسيرته من أقوى مصادر الإيمان، والفهم الصحيح لهذا الدين العظيم.
وقد يقضي الله الفتنة ليُمحص عباده، ويكشف زيف المنافقين، وخذلانهم للمسلمين، غير أنّ نصرة الله في الدنيا، والآخرة تكون فقط للصالحين المخلصين وهديتهم جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين.
المقالات المتعلقة بكيف توفي عثمان بن عفان