تتعدد وظائف الذين من حولنا، وتختلف مواهبهم التي منحهم الله إيّاها، هناك من درس وتخصص وعمل في مجال موهبته، والبعض اتّجه لمجال آخر غير موهبته، وهذا البعض منهم من حافظ على موهبته من الاندثار فروّضها وطورها ونماها، ومنهم من ألهته دراسته وعمله عن موهبته فاندثرت في دواخله وضمرت خلايا الدماغ التي كانت تنشط للعمل على هذه الموهبة.
فالرسامون مثلًا: تكون خلايا الألوان والخيال والفن في دماغهم هي الأنشط، بينما لو طُُلب من أحدهم صياغة عبارة بلغة فصيحة تامة ربما لم يستطع، وهكذا بالنسبة للشاعر.
الشعر بالغالب موهبة إمّا تُنمّى أو تُنسى، موهبة أكثر من الاكتساب، فتجد الشاعر قبل أن يصبح شاعرًا يميل إلى ألفاظ اللغة وتراكيبها، يستمتع بالكلام الفصيح بلغته، كما لو أنّه يستمتع نحو موسيقاه العذبة المفضلة.
فالشخص الذي يجد في نفسه هذا الميول نحو اللغة، فإنّ له مستقبلًا فيها، إمّا كاتب أو شاعر فيبدأ بالبحث في ذاته ما الذي يجذبه أكثر، أهو رنين الأوزان في الأشعار، أم انسيابية الكلمات في النثر، فإذا كان توجهه للشعر فعليه أن يركز حول الشعر قراءةً واستماعًا ومحاولة للكتابة.
كثيرٌ من الشعراء وإن لم يكن أغلبهم هم من خريجي الكليات المتخصصة باللغات، فتتأصل فيهم قواعد اللغة وأساسياتها، وتظهر أمامهم نماذج من كبار الشعراء فيميلون للشعر هوىً مع الموهبة.
إذا سألت أي شاعر عن بداياته فستجد بداياته كانت بالاستماع المتكرر لشاعر هو معجبٌ به، ويعتقد أنّ شعره الأفضل، وأنّ المدرسة التي ينتمي إليها هي الفضلى، فيتابع كل قصائده يقرأها، ويستمع لطريقة إلقاءه إن كان هناك تسجيلاتٌ صوتيه لشعره، حتّى إذا كانت أول قصيدة لهذا الشاعر المبتدئ، ستجد فيها طباع الشاعر الذي درس شعره، وكأنّه طالبٌ تتلمذ تحت يديه وإن اختلفت العصور.
فإذا كنت مهتمًا بالشعر عليك أن تقرأ من الشعر الكثير، شعر كل الشعراء في كل الأزمان والمدارس، وتعرف أسباب كتابة القصيدة لتتعرف منها على أحاسيس الشاعر وقت كتابتها، وخلال قراءتك دون القصائد التي أعجبتك أكثر، والأبيات التي وجدت نفسك أسيرًا بين كلماتها، ثم بعد أن تستوف قدرًا من الشعر قراءة، اشحذ أحاسيسك، وابدأ بالكتابة في قضية محببة إليك، أو في قضية لها صدى في المجتمع في هذه الفترة، اشحذ أحاسيسك، وابدأ بالكتابة، لعلّ رفيقك على الجانب الآخر يساعدك، فقد قالت العرب قديمًا (لكل شاعرٍ قرين من الجن يلقنه)؛ لذا تجد أنّ بعض القصائد وكأنّها سحر تَشْخَصُ لها العقول، ويستمر الشخص في سماعها دومًا.
حاول أن تعرض ما تكتبه على أحد أساتذة الجامعة لينقد لك في كتاباتك، ويعطيك من نصائحه، فعندما تكتب أول قصيدة ستشعر أنّك أنجزت إنجازًا عظيمًا وهو كذلك، لكن كل شيء يحتاج إلى التعديل والتدقيق كي يصل إلى أعلى الرتب، وقد روي في التاريخ أنّ الشاعر ابن الرومي كانت أشعاره ترفض من الملوك العباسيين فنظم أبياتًا يقول فيها:
قد بُلينا في دهرنا بملوكٍ أدباءٍ عَلِمْتُهمْ شعراءِ
إن أجدنا في مدحِهم حسدونا فحُرِمنا منهُمْ ثوابَ الثناءِ
أو أسأنا في مَدْحهم أنَّبونا وهَجَوْا شعرَنا أشدَّ هجاءِ
قد أقاموا نفوسَهم لذوي المدْ حِ مُقامَ الأندادِ والنظراءِ
المقالات المتعلقة بكيف تكون شاعر