تقع مدينة زحلة في دولة لبنان، حيث تتوسط قلب لبنان وتربط مدن شماله بجنوبه وغربه بشرقه؛ حيث تبتعد عن العاصمة بيروت مسافة خمسين كيلومتراً، وترتفع مسافة تسعمائة وستة وستين متراً عن سطح البحر، فهي تقع في منطقة مميّزة على جبل صنين الذي يشرف بدوره على سهل البقاع، ويُحيط بزحلة من الغرب جبل لبنان، ومن الشّرق الحدود السّورية، ومن الشّمال مدينة بعلبك، ومن الجنوب مدينة البقاع الغربي.
تبلغ مساحة مدينة زحلة الإجمالية سبعةً وثمانين كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها تقريباً مائة وخمسين ألف نسمة، وتتبع المدينة إدارياً لمحافظة البقاع، وتشتهر زحلة بالطبيعة الجميلة حيث يخترقها نهر البردوني ليرسم لوحةً فنيّةً تخرج من قلب جبل صنين ليقسم المدينة لقسمين، فالأول هي المدينة الشرقية والتي تضم أحياءً سكنيّةً عديدة وهي: حي الميدان، وكرك نوح ، ووادي العرائش، والبربارة، وحوش الزراعنة والمدينة الصّناعية، والقسم الثاني هي المدينة الغربية، وتَشمل حي مار جرجس، وسيدة النجاة، والراسية، ومار مخايل، ومار الياس، وحوش الأمراء، وكسارة.
تحتلّ زحلة موقعاً جغرافياً متوسطاً؛ فهي تقع على الطريق الذي يربط ما بين بيروت ودمشق، وتعتبر من المدن القديمة التي استوطنها الرومان، فهي تزخر بالآثار الرومانية التاريخية، وإلى جانب ذلك هي مدينة روحانية تستوطنها الغالبية المسيحية، فزحلة اسم جاء من الآلهة الرومانية التي تشير لكوكب زحل الذي يرمز إلى الخير والخصب لدى الرومان قديماً، ويقال زحلة نسبة للملك زحلان بن هلال ملك قبائل بني هلال التي حكمت المدينة في القرن السابع الميلادي، وتُلقب زحلة بأسماء كثيرة وأشهرها عروس لبنان، ودار السلام، وجارة الوادي، ووادي النّمورة، ووادي السّباع، ومدينة الخمر.
بيـد أن هـذه الأرض غيـر المأهولـة، مـا إن استهـل القـرن الثامـن عشـر، حتـى أطلـت منهـا مدينـة ذات حيويـة عظيمـة، راحـت تنمـو بسرعـة كبيرة، ومـا زالـت حتـى علـت على سائـر حواضـر البقـاع، ثـم غـدت إحـدى المحطـات الكبـرى في تاريـخ لبنـان. و لقد أجاب البروفسور ونتر على موضوع سؤال كبير في هذا الصدد حيث قال:
زحلة كان أمراء آل الحرفوش، يشاركون في الكثير من مناسبات ترسيم رجالات الكنيسة، وفي تسيير أُمور الأديرة المحلية. تقول التقاليد أن الكثير من المسيحيين غادروا بعلبك في القرن الثامن عشر الى مدينة زحلة الأحدث والأكثر أمنا بســبب ظلم آل الحرفوش وجشعهم، ولكن دراساتٍ اكثر جدّيّــــة قد وضعت هذه التفسيرات موضع تساؤل، مشيرة الى أن آل الحرفوش في حلفٍ متينٍ مع آل المعلوف العائلة الارثوذكسية في زحلة ( حيث إلتجأ مصطفي الحرفوش بعد بضعة سنوات ) ومُظهرةً أن السّــــلبَ في مختلف المناطق وجاذبيــــــة النمو الاقتصادي لزحلة هي سببُ انحدار بعلبك في القرن الثامن عشـــر . وأي قمع هناك لم يكن يستهدف المســيحيين على نحـوٍ خاص . زحلة
أول من استعمـر زحلـة الأمـراء اللمعيـون، كـان ذلـك سنـة 1711 على أثـر بلائهـم الحسـن في معركة عين دارة التـي نشبـت بيـن الأميـر حيـدر الشهابـي حاكـم لبنان ورأس الحـزب القيسـي، وبيـن مناوئيـه اليمنييـن. شـد اللمعيـون يومـذاك أزر الاميـر، فمـا أن تـم لـه النصـر حتـى صاهرهـم ثـم أقطعهـم الاقطاعـات الواسعـة.
أعجـب اللمعييـن من زحلـة، خصـب تربتهـا وكثـرة شجرهـا وغزارة مائهـا وجمـال مناخهـا فأولوهـا اهتمامهـم، ونشطـوا يستقدمـون إليهـا السكـان من المتنيْـن الأعلـى والأدنـى، ويشجعـون على حـرث أرضهـا، وبنـاء البيـوت فيهـا، حتـى أهلـت وعمـرت. فقسمـت إلى ثلاثـة أحـواش لثلاثـة أمـراء لمعييـن، حـوش الأميـر مـراد وحـوش الأميـر يوسـف وحـوش الحواطمـة. وكـان الحـوش مجموعـة من البيـوت المتقاربـة، على شكـل مستعمـرة صغيـرة مسـورة.
في مطلـع القـرن الثامـن عشـر كـان لزحلـة علـم خـاص بهـا لونـه أحمـر وأخضـر وفي أعـلاه حربـة في رأسهـا صليـب وقـد صنـع من الحريـر المنسـوج في زحلـة.
ولهـا نشيدهـا الوطنـي المعـروف ويقول مطلعه: زحلـة يا دار السـلام فيـك مربـى الأسـودي على الضيـم والله ما ننـام المـوت ببـوز البـارودي
أحرقت زحلة ثلاث مرّات عام 1777 و1791، وكانت نكبتها الكبرى عام 1860. وفي العام 1861 بعد قيام المتصرّفيّة، شكّلت زحلة قاعدة البقاع والمديريّة الثالثة بين الست مديريّات. واستطاعت النهوض وإعادة البناء؛ فعادت أقوى، وعمرت أكثر، وأصبحت "ميناء البقاع وسوريا" البرّي ومركز الأغلال والتجارة بين بيروت ودمشق والموصل وبغداد، وسُميت مدينة قبل العاصمة بيروت.
خلال فترة المتصرفية، وبعد عام 1861، أنشئ مجلس زحلة البلدي عام 1878، وبُني السراي الحكومي القديم عام 1885، ونشطت الهجرة منها، وأُنجز خط السكة الحديدية الذي وصل عام 1885 زحلة ببيروت وحوران، ممّا سهّل الأسفار وروج التجارة وحسن الأعمال.
وفي مطلع القرن العشرين، شهدت زحلة نهضة تربويّة وفكريّة وسياحيّة كبيرة. لكنّ الحرب أعاقت تقدّمها، وأبهظت كاهل أبناءها. عام 1914، دخلها جمال باشا التركي، وجعل مقرّه فندق قادري جاعلاً منه مستشفى لجيشه، وصادر مستودعات الغلال والحبوب ونكّل بالأهالي.
تشتهر هذه المدينة بالغالبية المسيحية من كافة الطوائف، ولهذا توجد بها الكثير من الكنائس، وتعتبر أكبر مدينة مسيحيّة في الشرق الأوسط وشرق آسيا، وهذا ما غلب تسمية أحياء المدينة كما ذكرنا بأسماء مسيحية، ونتيجة مرور نهر البردوني فيها تشتهر بعذوبة المياه ونقائها فهي صالحة للشرب كمصدر للماء لسكان زحلة، وجعل النهر من أرضيها الخصبة أراضي تشتهر بزراعة كروم العنب ممّا حفّز ذلك على إنتاج العرق أو النبيذ وهي من المنتجات الاقتصادية التي يكثر عليها الطلب من سكان زحلة المسيحيين، ولهذا تلقب بمدينة النبيذ، وإلى جانب النبيذ تشتهر بصناعة الحرير والنسيج والدباغة منذ القدم، وصناعة الألبان والأجبان بسبب توفر المراعي الغنيّة للمواشي التي يربّيها التجار في زحلة، وغيرها من الصناعات الأخرى؛ كصناعة البلاستيك، والجلود، والزجاج، والكرتون.
يبلغ عدد مناطق زحلة العقاريّة 16 نطاق عقاري. بعض المناطق العقاريّة تحتوي على أكثر من حي، وبذلك يكون عدد الأحياء أكثر من عدد المناطق العقاريّة (21 حيّاً سكنيّاً). يمكن إحصاء الوحدات السكنيّة لمختلف الأحياء بحوالي 20 ألف وحدة.
والأحياء الـ16 هي: البربـارة، حـوش الأمـراء، حـوش الزراعنـة، حـي السيـدة، الراسيـة التحتـا، الراسيـة الفوقـا، سيـدة النجـاة، الكـرك، مار اليـاس، مار أنطونيـوس، مار مخايـل ومار جرجـس، المعلقـة، المعلقـة الشماليـة، ميـدان الشرقـي، ميـدان الغربـي، وادي العرائـش.
منذ نشوئها عام 1711، تجمعت في زحلة عائلات بغالبيتها مسيحية، إضافة إلى سكان من الشيعة والدروز. بدأت زحلة تجمُّعها بثلاثة أحياء قرب كنيسة سيدة الزلزلة أول كنيسة بُنيت في مطلع القرن الثامن عشر. وكان مصدر العائلات المسيحيّة من بعلبك ورأس بعلبك والفرزل. وقد اتّسعت الهجرة إلى زحلة في أواسط القرن 18. عام 1750، لجأ كثيرون من البقاع وبعلبك ورأس بعلبك ومناطق الجبل، وبينهم بنو المعلوف الذين ابتنوا بيوتاً حول دار الأسقفيّة، سُميت دار المعالفة وهي تعرف أيضاً باسم حارة سيدة النجاة، حيث يقول المؤرخ الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف في كتابه دواني القطوف " في سنة 1781م سكن بنو شبلي المعلوف من فرع ابي عسوس في بلاد بعلبك و تركوا موطنهم كفر عقاب و كانوا يترددون منذ سنوات إلى تلك الجهات فرأى منهم الأمراء الحرافشة بسالة و حمية و نشاطاً حملهم على ترغيبهم في سكنى بلادهم و كانت الضرائب الكثيرة قد أرهقت سكان لبنان فأخذ منهم الأمير يوسف الشهابي في هذه السنة مالا ثانيا بلغ فيه ما ضربه على اوقية البزر خمسة غروش و كان القلق سائداً في زمن الجزار". وقد اكتمل عقد "العائلات السبع" بقدوم آل بريدي إلى زحلة من بعلبك حوالي عام 1760، وآل غرّة من رأس بعلبك عام 1800 (وهم فرع من عائلة هلال، كانت أمّهم اسمها غرّة) (هذه العائلات لعبت دور القيادة السياسيّة في زحلة لفترة طويلة).
لجأ الراسيون إلى زحلة سنة 1761، بعد أن هدم زلزال رأس بعلبك كلّها تقريباً وتوفي كثيرون من أهاليها؛ فجاء كثير منهم إلى زحلة وسكنوا مع أقاربهم وعمرت حارة "الراسيّة". وهرباً من حكم الأمير حسين حرفوش في رأس بعلبك عام 1756، نزل عدد كبير من السكان في أراضي الرهبان الشويريين حيث بنوا بيوتًا لهم. عام 1775، لحق بهم البعلبكيون، تخلّصا من ظلم الأمراء الحرفوشيون.
ويبلغ عدد سكّان المدينة حوالي 120000 نسمة أي ما يعادل حوالي 3% من إجمالي عدد سكان لبنان، وهـم مزيـج من أبنـاء المتـن والشـوف والجنـوب والبقـاع ومعظمهـم من الـروم الكاثوليـك، فالأرثوذكـس، فالموارنـة، والإنجيلييـن والسريـان.
المقالات المتعلقة بفي أي دولة تقع مدينة زحلة