ظاهرة الأنظمة الديكتاتورية

لطالما كانت أشكال الحكم محلّ جدلٍ كبير في الأوساط السياسية، وأوساط المثقّفين، والمهتمّين بمثل هذه الشؤون، والحكم بحدِّ ذاته هو من أكبر دوائر النّزاع بين الناس على امتداد التاريخ؛ فنسبةٌ كبيرةٌ من الحروب دارت صراعاً على عروش الممالك، والدول، وقد كانت النتائج المترتّبة عنها مأساويةً بشكلٍ لا يتصوّره أيّ إنسان.

يُعتبر نظام الحكم الديكتاتوريّ واحداً من أبرز أشكال الحكم؛ فالأنظمة الديكتاتوريّة تتعارض مع المبدأ الإنسانيّ السامي الذي يُعتبر تواجده أساساً للإبداع، والتطور، والارتقاء، وصعود سلّم الحضارة، والمدنيّة، بل وبلوغ قمّته، وأنظمة الحُكم الديكتاتوريّة لا تقتصر على زمان ومكانٍ مُعيّنين؛ فهي موجودة في كلّ زمان ومكان، وأينما وجدت وجدت معها الصّراعات، والمشاكل، والاقتتالات التي قد يروح ضحيّتها الأبرياء. سنعرض في ها المقال ظاهرة الأنظمة الديكتاتوريّة القديمة الحديثة، وأبرز ما يرتبط بها.

يُشير مصطلح النظام الديكتاتوريّ إلى الحكم المطلق الوحيد المحصور في يد جهةٍ معيّنة بعينها، وكلمة ديكتاتوريّة تجد لها أصولاً في اللغة اللاتينية القديمة، فهي مشتقة من الكلمة (ديكتاتوس) والتي تحمل معاني: الفرض، والأمر.

للدكتاتوريّة أشكالٌ متعدّدةٌ؛ فهناك الأنظمة الشمولية التي تدخل في أدق تفاصيل الحياة؛ حيث تضع المعايير التي تُناسبها وفي كافّة المجالات المختلفة التي تهمّ المواطنين، ولا تسمح هذه الأنظمة بالطبع بوجود أيّ نوع من أنواع المعارضة، وهي بهذا الشكل تُعتبر نسخةً أكثر قتامة من الأنظمة السلطويّة التي قد لا تدخل في تفاصيل التفاصيل، وإنّما تمتاز بقوّتها، وسلطتها، وغياب الحقوق الفرديّة فيها.

تختلف أنماط الأنظمة الديكتاتوريّة؛ فهناك نمطٌ يقوم فيه فرد ما بالتسلّط على رقاب المواطنين بشكلٍ كامل، وبالقوة؛ حيث يُسيطر على كافة موارد الدولة، فتصير الدولة بما فيها خادمةً له، أمّا النمط الثاني فهو الذي تتسلّط فيه جماعةٌ معيّنة على الدولة، ومواردها؛ بحيث تصير مسخّرةً لخدمتها.

للأنظمة الديكتاتوريّة سماتٌ جامعة لا بدّ أن تتواجد فيها، من بينها: تسلّطها على الشعب، واتّباعها الأساليب القمعيّة في فضّ الاحتجاجات، واتّباعها سياسات قذرة في تكميم الأفواه، إلى جانب تدنّي مستوى حقوق الإنسان فيها، الأمر الذي يجعل حياة الناس فيها سوداء قاتمة، كما تمتاز الأنظمة الديكتاتوريّة بتسخيرها للأفكار المهيمنة على المجتمع من أجل تثبيت أساساتها، إلى جانب قوّة أجهزتها الاستخباراتيّة، ووضع الشعب في قالبٍ واحد؛ حيث لا يمكن لهم أن يخرجوا منه، أو أن يتمرّدوا عليه.

إن الوقاية من انتقال عدوى الديكتاتوريّة إلى مجتمع من المجتمعات تبدأ أولاً بتوعية الشعب بحقوقه، وبأنّه لا أحد فوق القانون، وأنّ الجميع خاضعون للمساءلة القانونيّة من أصغر مواطن إلى رئيس الدولة، والأهمّ من هذا كله هو وجود تربيةٍ صحيحة للأفراد تُعلي وتُقدّس من شأن الحريّة التي تُعتبر الرادع الأول والأخير لهذه الظاهرة المأساويّة.