هو عمر بن مختار بن عمر المنفي الهلالي والملقّب بالعديد من الألقاب مثل: أسد الصحراء، وشيخ المجاهدين، بالإضافة لشيخ الشهداء. عمر المختار هو مجاهدٌ ومقاوم ليبي ولد عام ألفٍ وثمانمئةٍ وثمانيةٍ وخمسين، وقيل إنّه ولد عام ألفٍ وثمانمئةٍ واثنين وستين في البطنان في منطقة طبرق الواقعة إلى الجنوب الشرقي من الجبل الأخضر في ليبيا.
تربّى عمر يتيماً وتعلّم في مدارس القرآن والسنة، وتميّز بنبوغه وذكائه الذي لفت أنظار شيوخه إليه، وتمّ إرساله بفضل فطنته وذكائه إلى معهد (الجغبوب) الذي يُعتبر ملتقى الفقهاء والعلماء والمربّين والأدباء، فقاموا بالإشراف على تربيته وتهيئته لإرساله فيما بعد هو وجميع المتفوّقين إلى مواطن القبائل في إفريقيا وليبيا للعمل على تربية الناس وتعليمهم أصول الفقه والدين.
صفات وأخلاق عمر المختاراشتهر عمر المختار بحزمه وجديته وصبره واستقامته منذ فترة صباه، ولقي الكثير من الاحترام والتقدير من قبل أساتذته وزملائه، وبلغت دماثة أخلاقه الإمام محمد المهدي الذي كان دائم السؤال عن أخلاق الطلبة.
بعد أن بلغ عمر أشده كان قد اكتسب الكثير من العلوم الدينيّة وما تيسر له من علوم الدنيا، وهذا الأمر أكسبه إلماماً واسعاً بالبيئة المحيطة به، بالإضافة للمعرفة الواسعة بجميع الأحداث القبليّة ووقائعها وتاريخها، وقام بالتوسّع في معرفة الأنساب والارتباطات التي تصل القبائل بعضها ببعض، بالإضافة للعادات والتقاليد والموقع، وأمدّته تلك العلوم بالإضافة للبيئة التي تعمق في تأملها ودراستها إلى وسائل فض جميع الخصومات البدويّة، والمواقف والنظريّات والآراء التي تلزمه للنجاح في مهامه، بالإضافة لهذا فقد أكسبته هذه المعرفة والسعي الدؤوب لها إلى جعله خبيراً في جميع طرق ومسالك الصحراء، بفضل ترحاله المستمر من برقة إلى السودان ومصر في الخارج، وإلى الكفرة والجغبوب داخل ليبيا.
كان عمر على إلمامٍ بمختلف أنواع النبات التي تنبت في برقة، بالإضافة لخصائصها الكثيرة، عدا عن درايته في طرق معالجة الماشية هناك بفضل التّجارب التي ورثها شأنه في هذا الأمر شأن جميع البدو هناك.
كفاح عمر المختارمع نهاية العقد الأوّل من القرن المنصرم أعلنت إيطاليا حربها على الدولة العثمانيّة، وقامت على الفور بإنزال قواتها على سواحل مدينة بنغازي الواقعة إلى الشمال من برقة، في تلك الفترة كان عمر المختار في عمق الصحراء يزور السنوسيين في مدينة الكفرة، وأثناء عودته عرج على واحة جالو؛ حيث علم هناك بخبر النزول الإيطالي على سواحل بنغازي، فقام على الفور بالعودة إلى زاوية القصور للعمل على تجنيد رجال قبيلة العبيد لمقاومة الزحف الإيطالي، وتمكّن من تجنيد ألفٍ من المقاومين.
أسّس بعد ذلك معسكراً خاصاً في الخروبة، وانتقل بعده إلى الرجمة، ومن ثمّ التحق بصفوف الجيش العثماني، وبعد ذلك انتقل إلى بنينة، ومن هناك انضمّ إلى عددٍ كبيرٍ من المقاومين، ومن هناك بدأت حلقات الإغارة على صفوف الجيش الإيطالي.
بعد اندلاع حروب البلقان، تمّ إجبار الدولة العثمانيّة على عقد صلحٍ مع إيطاليا، وتم توقيع هذا العقد في لوزان، وانسحب العثمانيون المقاتلون من الأستانة، الأمر الذي أثار سخط المقاتلين الليبيين، فحاولوا إجبار الجنود العثمانيين على التخلّي عن أسلحتهم، لكنّ العثمانيين رفضوا التنازل عن أسلحتهم، وبعد العديد من المشادات أطلق المقاومون النار على العثمانيين ممّا أدّى إلى نشوب معركةٍ بين الطرفين أدت إلى سقوط العديد من القتلى.
بسبب تأزّم الوضع بين الطرفين تمّ إرسال عمر المختار لفضّ هذا النزاع، فقام من فوره باللحاق بالمقاومين ونجح بإقناعهم على العودة والتخلّي عن فكرة قتال العثمانيين، وبقي المختار متسلّماً لزمام القيادة في عمليّات المقاومة وقتال الطليان في مدينة برقة حتى وصول أحمد الشريف السنوسي إلى مدينة درنة، وتولّى هو قيادة المقاومين، وكان عمر المختار من أكبر معاونيه.
هاجر أحمد السنوسي وتسلّم القيادة من بعده الأمير محمد إدريس السنوسي، وقد شَهدت تلك الفترة أعنف درجات الصراع؛ حيث كان تركيز عمر المختار على منطقة درنة في مقاومته، وبعد سقوط مَنطقة القصور وتكنس التي كان يتنقل عمر المختار بينهما أثناء الغارات في أيدي الطليان، تحوّل بعدها إلى معسكر جبل العبيد، وكان من هناك يتواصل بشكلٍ دائم مع قبائل منطقة دفنا.
نتيجة القحط الذي أصاب البلاد في الفترة الواقعة ما بين عامي ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثة عشر وألفٍ وتسعمئةٍ وخمسة عشر، أدّى هذا الأمر إلى انتكاس المقاومة الليبيّة، مما أدى إلى استيلاء القوّات الإيطاليّة على أغلب المناطق الاستراتيجيّة الواقعة في وسط وشمال برقة. في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وخمسة عشر بدأ أحمد السنوسي بالإغارة على الجيش البريطاني في مصر، وانضمّ إليه عمر المختار، وعاد بعدها إلى بلاده لاستئناف مقاومته للطليان بالتعاون مع إدريس السنوسي.
في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وستة عشر وقّع إدريس السنوسي معاهدة الزويتيّة مع الطليان، وأدّى هذا الأمر إلى تشتّت معظم رجاله في أنحاء البلاد، أما ما كان من أمر عمر المختار فإنه عاد إلى برقة وقام بقيادة المقاتلين هناك، وأخذ يدعو الأهالي في الجبل الأخضر للمقاومة، وفتح باب التطوّع للانضمام للمقاتلين في كفاحهم المستمر ضد الاستعمار الإيطالي لبلادهم، وكان يعاونه في هذا الأمر لجنةٌ فيها أعيانٌ من مختلف القبائل الموجودة في الجبل.
اتبع المختار في رحلة نضاله تلك أسلوب حرب العصابات والغارات، وكانوا يتسلّحون ببنادق خفيفة لا يتعدّى عددها ستّة آلاف بندقيّة، وقد شكل هذا الأمر بداية الحرب القاسية والضروس بين عمر المختار والمقاومين من جهة، وبين الجيش الإيطالي من جهةٍ أخرى، والتي دامت اثنين وعشرين عاماً، ولم تنتهِ تلك الحرب إلا بعد أسر عمر المختار وإعدامه.
أسر عمر المختارتمكّن الطليان في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثين من الاشتباك مع المقاومين في معركة كبيرة، وبعد انتهاء تلك المعركة عثر الطليان على جواد عمر المختار وعلى نظاراته في ساحة المعركة، فعلموا بأن المختار ما زال على قيد الحياة، فأصدر غراتسياني على الفور منشوراً يحاول فيه كسر مقولة أسطورة المختار الذي لا يقهر أبداً؛ حيث أورد في منشوره قائلاً: " لقد أخذنا اليوم نظّارات المختار، وغداً نأتي برأسه ".
في شهر سبتمبر من عام ألفٍ وتسعمئةٍ وواحدٍ وثلاثين، توجه عمر المختار مع عددٍ من رفاقه لزيارة ضريحٍ لأحد الصحابة في مدينة البيضاء، وهو في طريقه شاهدته إحدى وحدات الاستطلاع الإيطاليّة، وقامت على فورها بإبلاغ الحامية في قرية أسلنطة، فقامت الأخيرة من جهتها بالإبراق لاسلكيّاً إلى قيادة الجبل، فتحرّكت عددٌ من الفصائل الإرتريّة والليبيّة لمطاردتهم، وحدث اشتباكٌ بأحد الوديان بالقرب من عين اللفو الأمر الذي أدّى إلى جرح حصان عمر المختار، فسقط الأخير على الأرض، وتعرّف عليه أحد المرتزفة من الجنود الليبيين، وكان هذا الجندي مقاومٌ سابق مع عمر، وعندما رآه صاح (يا سيدي عمر) فعرفه الطليان وقبضوا عليه فوراً.
بعد القبض على عمر المختار، أورد غراتسياني تلك اللحظات في مذكراته قائلاً: " هذا الرجل أسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرّات من الموت والأسر، واشتهر عند الجنود بالقداسةِ والاحترام لأنه كان الرأس المفكّر وقلب الثورة العربيّة النابض في برقة، بالإضافة لهذا كان هو المنظم لعمليّات القتال بالكثير من الصبر وبمهارةٍ فريدة لسنوات طويلة، والآن يقف أسيراً في أيدينا ".
إعدام عمر المختارفي السادس عشر من تشرين الأوّل عام ألفٍ وتسعمئةٍ وواحدٍ وثلاثين، تمّ اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ حكم الإعدام، وذلك عن طريق إحضار جميع أقسام الجيش والطيران والميليشيا، بالإضافة لهذا تمّ إحضار عشرين ألفاً من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين من مختلف المناطق لمشاهدة تنفيذ حكم الإعدام في القائد.
تمّ إحضار المختار مكبلاً عند تمام التاسعة صباحاً، وسلم على الفور للجلاد بمجرّد وصوله للمكان، وفي هذه اللحظة حلقت الطائرات فوق الساحة على علوٍ منخفض، وذلك لمنع الأهالي من سماع آخر أقوال عمر المختار قبل تنفيذ حكم الإعدام به، لكن عمر لم ينطق كلمةً واحدة، وبقي صامتاً طوال فترة مسيره إلى منصّة الإعدام وهو ينطق بالشهادتين، وقال آخرون بأنّه يقرأ آياتٍ من القرآن، ومنهم من قال بأنّه كان يردّد بصوتٍ خافت أذان الصلاة، وتمّ بعدها تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في عمر المختار، وقد كان يبلغ من العمر ثلاثةً وسبعين عاماً.
المقالات المتعلقة بتعريف عمر المختار