عمّان، مدينة الجبال السبعة، ومدينة الشمس، تزهو بين العواصم بجمالها وسحرها الأخاذ، وهي مدينةٌ تغفو بين أحضان التاريخ الذي حجزت مكاناً لها في أزهى صفحاته وأكثرها إشراقاً، وهي مدينةٌ زاخرةٌ بالحضارات الإنسانية منذ فجر التاريخ، فالقارئ لتاريخها، يعود بعجلة الزمن إلى أكثر من سبعة آلاف عام قبل الميلاد، وإلى العصور الحجرية، إذ كانت مكاناً لأنشطة الإنسان القديم الذي أقام فيها الصوامع والمباني والنُصب التاريخية التي ظل الكثير من آثارها وبقاياها صامداً حتى اليوم.
توالت على عمّان العديد من العصور والأزمنة، كما حُكمت من حضاراتٍ عديدة، وتميزت كلّ حضارةٍ منها بطابعٍ خاص، أسبغ على المدينة سحراً إضافياً، وتنوعاً كبيراً في الحضارة والثقافة، ومن أبرز الحضارات التي أنشأت في عمّان حضارةً حفرت في التاريخ: حضارة العمونيين، الذين اتخذوها عاصمةً لهم، وأطلقوا عليها في ذلك الوقت اسم (ربّة عمون)، هذا الاسم الذي يُشعّ هيبةً وجمالاً وحضارةً، والذي حُفر في ذاكرة التاريخ إلى الابد.
بما أنّ عمّان مهبط الحضارات الكثيرة، فقد كان لها تاريخٌ طويلٌ مع الآشوررين، ثمّ البابليين، ومن أهم الحضارات التي تعاقبت عليها هي الحضارة اليونانية، التي تميزت بالتنوع والتعدد، فاتخذت عمّان في ذلك الوقت اسماً جديداً لا يقلّ روعةً عن سابقه فكانت (فيلادلفيا) الاسم الذي لم يغب يوماً عن ذاكرة أي عمّاني، فطرزت فيلادلفيا اسمها بحروفٍ من نور، وكان هذا في القرن الثالث الميلادي، وقد ظلت تزهو بكونها فيلادلفيا المدينة الساحرة التي تزخر بالأنشطة اليونانية العميقة، حتّى وقعت في يد الرومان.
شكّلت الفترة الرومانية من تاريخ عمّان، فترة ازدهارٍ وتطورٍ كبير، فقد أقام الرومان حضارةً كبيرةً عظيمةً من الشوارع، والساحات والابنية التي بقيت شامخةً إلى اليوم، ولعلّ المدرج الروماني وجبل القلعة يشكلان أكبر شاهدٍ على هذا، وفي هذا الوقت تميز تاريخها بأنّه كان دقيق الجمال، فقد أصبح محط جذبٍ للكثيرين، فكانت مدينةٌ يُشار إليها بالبنان.
لم يقف تاريخها على هذه الحضارات فقط، فهي مدينةٌ جمعت العديد من الحضارات مثل عروسٍ يتهافت الكثيرون لطلب ودّها، فبعد أن انتهت الحضارة الرومانية، لم تبقَ عمّان يتيمةً أبداً، فقد أصبحت بعدها في حضن الحضارة البيزنطية، ثمّ أشرقت فيها شمس الفتوحات الإسلامية، ليكون هذا هو ختام المسك الممتد من التاريخ القديم لها وحتّى التاريخ الحديث.
توالت على عمّان العديد من الحضارات الإسلامية، منها الحضارة الأموية، وقد تمّ إنشاء الكثير من المساجد والقلاع والعمارات فيها، وقد توالت الحضارات عليها حتّى وصلت للدولة العثمانية، وبعدها وصلت إلى تاريخها الحديث، هذا التاريخ الذي تُشرق عليه شمس الماضي لتزيده ألقاً وروعةً، ويستشرف المستقبل ليكون القادم أجمل وأجمال، فعمّان ملهمة الفن والأدب والجمال، وصدق الشاعر حين قال:
أرخت عمّان جدائلها فوق الكتفين
فاهتزّ المجدُ وقبلها بين العينينبارك يا مجد منازلها والأبوابا
وازرع بالورد مداخلها باباً بابا.المقالات المتعلقة بتعبير عن تاريخ عمان