خليل مطران، شاعر لبناني مصري، لُقّب بشاعر القطرين، ولد عام 1872، عُرف بمزجه للحضارتين العربية والأجنبية في شعره، فغاص في المعاني الشعرية، كان مترجماً ومُؤرّخاً وشاعراً، غزير العلم، مُلمّاً بالأدب الفرنسي بالذات إلى جانب الادب العربي والتراث.
نادى مطران بتجديد الأدب والشعر العربي، وكان رائد من خرج على أغراض القصيدة العربية التقليدية والبنية العربية الشعرية، وحدّد معالم شعرية حديثة متماشية مع التطوّر، ومحافطاً على الروح القديمة فيها. (1)
تحليل قصيدة المساءفي عام 1902م أُصيب خليل مطران بمرض انتقل بسببه إلى الإسكندرية للاستشفاء، وعندما تضاعفت آلامه، لجأ إلى الشعر يعبّر عن مصابه وألمه في قصيدة المساء بأسلوب شعري تميّز بقوة العاطفة وصدق الوجدان.
نص القصيدةدَاءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيهِ شِفَائي
من صَبْوَتي، فتَضَاعَفَتْ بُرَحَائي
يَا لَلضَّعيفَينِ ! اسْتَبَدَّا بي، ومَا
في الظُّلْمِ مثلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالجَوَى
وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنَ الأَدْوَاءِ
وَالرُّوحُ بَيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ
في حَالَيِ التَّصْوِيبِ وَالصُّعَدَاءِ
وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ
كَدَرِي، وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائي
هذا الذي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي
مِنْ أَضْلُعِي وَحُشَاشَتِي وَذَكَائي
عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ، لَوْ أَنْصَفْتِني
لَمْ يَجْدُرَا بتَأَسُّفِي وَبُكَائي
عُمْرَ الفَتَى الفَانِي، وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ
ببَيَانِهِ، لَوْلاَكِ، في الأَحْيَاءِ
فَغَدَوْتُ لَمْ أَنْعَمْ، كَذِي جَهْلٍ، وَلَمْ
أَغْنَمْ، كَذِي عَقْلٍ، ضَمَانَ بَقَائي
يَا كَوْكَبَاً مَنْ يَهْتَدِي بضِيَائِهِ
يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ
يَا مَوْرِدَاً يَسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ
ظَمَأً إِلَى أَنْ يَهْلِكُوا بظَمَاءِ
يَا زَهْرَةً تُحْيي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا
وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بلاَ إِرْعَاءِ
هَذَا عِتَابُكِ، غَيْرَ أَنِّي مُخْطِىءٌ
أَيُرَامُ سَعْدٌ في هَوَى حَسْنَاءِ؟
حَاشَاكِ، بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الوَرَى
وَالحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ
نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي
أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ
نِعْمَ الشّفَاءُ إذَا رَوِيتُ برَشْفَةٍ
مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاءِ
نِعْمَ الحَيَاةُ إذَا قَضَيْتُ بنَشْقَةٍ
مِنْ طِيبِ تِلْكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ
إِنِّي أَقَمْتُ عَلَى التَّعِلَّةِ بالمُنَى
في غُرْبَةٍ قَالُوا: تَكُونُ دَوَائي
إِنْ يَشْفِ هَذَا الجسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا
أَيُلَطِّفُ النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ؟
أَوْ يُمْسِكِ الحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامِهَا
هَلْ مَسْكَةٌ في البُعْدِ لِلْحَوْبَاءِ؟
عَبَثٌ طَوَافِي في البلاَدِ، وَعِلَّةٌ
في عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاسْتِشْفَاءِ
مُتَفَرِّدٌ بصَبَابَتي، مُتَفَرِّدٌ
بكَآبَتي، مُتَفَرِّدٌ بعَنَائِي
شَاكٍ إِلَى البَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي
فَيُجيبُني برِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
ثَاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمََّ، وَلَيْتَ لي
قَلْبَاً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ!
يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي
وَيَفتُّهَا كَالسُّقْمِ في أَعْضَائي
وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الجَوَانِبِ ضَائِقٌ
كَمَدَاً كَصَدْرِي سَاعَةَ الإمْسَاءِ
تَغْشَى البَرِيَّةَ كُدْرَةٌ، وَكَأَنَّهَا
صَعِدَتْ إلَى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي
وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ
يُغْضِي عَلَى الغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ
يَا لَلْغُرُوبِ وَمَا بهِ مِنْ عِبْرَةٍ
لِلْمُسْتَهَامِ، وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي!
أَوَلَيْسَ نَزْعَاً لِلنَّهَارِ، وَصَرْعَةً
لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ؟
أَوَلَيْسَ طَمْسَاً لِلْيَقِينِ، وَمَبْعَثَاً
لِلشَّكِّ بَيْنَ غَلائِلِ الظّلْمَاءِ؟
أَوَلَيْسَ مَحْوَاً لِلوُجُودِ إلَى مَدَىً
وَإِبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ؟
حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيدَاً لَهَا
وَيَكُونَ شِبْهَ البَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ
وَالقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي
كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائي
وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْني يَسِيلُ مُشَعْشَعَاً
بسَنَى الشُّعَاعِ الغَارِبِ المُتَرَائي
وَالشَّمْسُ في شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ
فَوْقَ العَقِيقِ عَلَى ذُرَىً سَوْدَاءِ
مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّرَاً
وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ
فَكَأَنَّ آخِرُ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ
مُزِجَتْ بآخِرِ أَدْمُعِي لرِثَائي
وَكَأَنَّني آنَسْتُ يَوْمِي زَائِلاً
فَرَأَيْتُ في المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي
المراجع(1) بتصرّف عن مقالة خليل مطران، marefa.org
المقالات المتعلقة بتحليل قصيدة المساء لخليل مطران