النسيان هو فقدان القدرة على التذكر، أو هو عدم القدرة على استرجاع المعلومات عند الحاجة إليها، فقد أنعم الله سبحانه وتعالى على كلّ إنسان بذاكرة قوية وقدرة عظيمة على حفظ المعلومات، ومنحه العقل المليء بالأسرار، ولهذا العقل سعة محددة لحفظ المعلومات؛ إذ إنّه يمحو أول معلومة ثم التي تليها تلقائياً لإضافة معلومات جديدة بدلاً منها.[١]
يعتبر النسيان ظاهرة عالمية نتجت من الضغوط التي يعاني منها الإنسان وأصبحت من سمات العصر الحالي، ويعد النسيان رغم سلبياته نعمة منَّ الله بها على الإنسان للحفاظ على صحّة العقل البشري، فلو كان الإنسان غير قادر على النسيان سيصاب بالجنون، وغالباً ما يكون النسيان ردة فعل طبيعية تهدف إلى الحفاظ على سلامة الحياة البشرية واستقامتها، فمن الممكن أن يمر الإنسان بمواقف مؤلمة ومآسي كفقد عزيز عليه، ولولا النسيان لفضَّل الإنسان الموت على العيش وسط آلامه، ويقول أحد رواد علم النفس في العالم العربي الدكتور الراحل أحمد فؤاد الأهواني أنّ الطفل حديث الولادة ليست لديه شخصية؛ لأنه ليس لديه ماضٍ أو ذكريات، ويظل الطفل كذلك عدة أشهر بعد ولادته إلى أن يبدأ بتمييز الأشياء والشعور بذاته وشخصيته، ويعرف أنّه شخص منفرد متميز عن غيره، ثم يبدأ الطفل بتخزين الأمور وجمع الذكريات، وكلما كبر أصبح له عالمه الخاص الذي يعيش فيه.[٢]
يؤكّد الدكتور هاشم بحري وهو أستاذ للطب النفسي بجامعة الأزهر أنّ ظاهرة النسيان هي ظاهرة منتشرة كثيراً يرجع سببها إلى نمط الحياة التي يعيشها الإنسان والتي من أهم سماتها السرعة والضغوط الكثيرة المترتبة على الفرد؛ مما أدّى إلى فقدان الإنسان لتركيزه، ولكنّه يؤكد على الصعيد الآخر أنّ النسيان ضرورة من ضرورات الحياة، فهو هام جداً للصحة النفسية، وهو رحمة من الله تعالى كما ذكرنا سابقاً، كما أنّه علاج للكثير من الأمراض النفسية في عصرنا الحالي، إذاً هناك نوعان من النسيان، وهما: نسيان مرضي ونسيان طبيعي وفطري، أما النسيان المرضي فحَرِيٌّ بالمصاب به أن يذهب إلى الطبيب لتفادي تدهور حالته، ويجدُر به عدم التعرض لضغوطات الحياة الكثيرة واجتناب الأفكار السلبية؛ ممّا يساعد على الحفاظ على الذاكرة وزيادة التركيز.[٢]
أسباب النسيان وعدم التركيزمن أسباب النسيان:[٣]
الخطأ في استرجاع المعلومات يُعرَف ذلك بنظرية الاضمحلال (بالإنجليزية: Decay Theory)، وتنصّ هذه النظرية على أنّه يتمّ إنشاء أثر للذاكرة في كل مرة يتم فيها استرجاع ذكرى معينة، وإذا تمَّ استرجاع ذكرى معينة دون استخدامها فإنّها سوف تختفي؛ بمعنى أنّه إذا لم يرى الإنسان شخصاً منذ زمن فإنّ ذاكرته سوف تمسح المعلومات المتعلقة بهذا الشخص، كما سيجد مشكله في تذكُّر اسمه عند الحاجة. التدخلوهي نظرية أخرى تُعدّ من أسباب النسيان، وتشير إلى أنّه عندما تكون المعلومات الواردة إلى الذاكرة متشابهة مع معلومات أخرى مخزنة سابقاً، فإنّ بعض الذكريات سوف تتداخل مع ذكريات أخرى وتتنافس معها داخل دماغ الإنسان، وللتدخُّل نوعان أساسيان هما: التدخل الاستباقي، وتكون الذاكرة القديمة فيه أقوى من الجديدة؛ حيث تجعل تذكُّر الأمور الجديدة أصعب، والتدخُّل الاسترجاعي، ويحدُث بأثر رجعي، فعندما تتداخل المعلومات الجديدة تؤثّر في قدرة الشخص على تذكُّر المعلومات القديمة.
الفشل في تخزين المعلوماتيعد الفشل في تخزين المعلومات من أسباب النسيان، ويرجع إلى عدم تخزين المعلومات في الذاكرة بعيدة المدى، ويحدث ذلك في حال أنّ الشخص انشغل في عمل آخر أثناء تخزينه للمعلومة.
النسيان المتعمّد يحدث ذلك عندما يتعرّض الشخص إلى حادث مؤلم أو موقف مزعج؛ حيث يشغل نفسه وتفكيره بأمر آخر بمحاولة منه لنسيان التجربة التي مر بها، إلّا أنّ أطباء النفس لا يقبلون بمثل هذا الأمر؛ حيث إنه من الصعب التعامل مع مشكلة ما وتجاوزها إلا إذا تم التعبير عنها وعدم التهرب منها؛ لأنّ التهرُّب منها يجعل منها ذكرى عالقة في الذاكرة، كما يؤدي النسيان المتعمّد إلى الكبت.يقول خبراء الصحة أنّ من أهم أسباب النسيان وقلة التركيز هو التقنيات الحديثة التي أصبحت اليوم جزءاً اساسياً من حياة الفرد، كما يرى الخبراء أن الهواتف الذكية هي من الأشياء التي تؤدي إلى قلة التركيز، فأصبح الفرد يُبقي حسابه على شبكات التواصل الإلكتروني مفتوحاً باستمرار لاستقبال الرسائل الإلكترونية بشكل دائم؛ مما يؤدي إلى إرهاق الدماغ والشعور بقلة التركيز،[٤] كما أكدت الأبحاث أن تغذية الفرد تلعب دوراً كبيراً في تقوية ذاكرته، فأكّد العلماء أنّ نقص بعض الفيتامينات في الجسم يؤدي إلى ضعف في الذاكرة، مثل فيتامينات إي، أ، ب12 (بالإنجليزية: b12، a، e)، كما يؤدي نقص بعض المعادن في الجسم إلى زيادة النسيان، مثل الكبريت والبوتاسيوم والفسفور والحديد وأوميغا 3 الموجود بوفرة في الأسماك والمكسرات، والجدير بالذِكر أنّ معظم مرضى النسيان يعانون من سوء في التغذية إضافة إلى سوء عمليات الهضم في الجسم؛ الأمر الذي يزيد من سوء مزاج الإنسان، وبالتالي زيادة النسيان وقلة التركيز.[٢]
تقول الدكتورة هبة عيسوي، وهي أستاذة أمراض الطب النفسي في جامعة عين شمس أنّ للنسيان أسباب عضوية وأسباب نفسية، من بينها ما يلي:[٥]
يجب على الشخص أن يعرف اأولاً ما هو المسبب الحقيقي الذي يقف خلف نسيانه وقلة تركيزه، وبالتالي يسهل عليه زيادة تركيزه وعلاج النسيان، وبما أنّ الطب لم يتوصل إلى الآن لاكتشاف دواء لعلاج النسيان وقلة التركيز، يرى الخبراء أنّ أنسب حل لعلاجه هو الابتعاد عن التقنيات الحديثة ما أمكن الأمر، وعمل جدولة جديدة للحياة اليومية بعيداً عن التكنولوجيا الحديثة، كما يُنصح باتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة تمارين الاسترخاء والتمارين الرياضية المختلفة، والمشي بهدوء في الهواء الطلق، بالإضافة إلى تنظيم ساعات النوم.[٤][٥]
أمّا عن مدمني التقنيات الحديثة، فقد نشر موقع نويرو ناسيون بعض النصائح الهامة لمساعدتهم على التخفيف من إدمانهم لها، وتتلخّص هذه النصائح بالآتي:[٤]
المقالات المتعلقة بأسباب النسيان وعدم التركيز وعلاجه