جاء الإسلام ليُنقذ الأمم الماضية من الضلال الذي كان يقودها إلى الضياع، واتصف الإسلام بخصائص جعلته مميّزاً عن كل الأديان التي كانت تتبعها الأمم السابقة واللاحقة، فهو دين إلهي، ويمتاز بالشموليّة والوسطية والعالمية، وهو دين العلم والأخلاق. سنتطرّق في بحثنا عن خاصيّة وسطية الإسلام وعالميته.
وسطية الإسلامأوصى الدين الإسلامي رجاله بعدم المغالاة وتضييق مسارب الأمور على الأفراد حتى لا ينفروا منه، فكان حلاً وسطاً بين المغالاة والتشدد في الدين والانحلال والانفلات من الدين؛ فالمغالاة وسيلة لتحريم كل شيء مباح والانحلال تحليل لكل ما حرمّه الإسلام ودعا بشكل واضح وصريح إلى انتهاج الوسطية.
تُعرف الوسطيّة بشكل عام بأنها نقطة تتوسط وتفصل بين التشدد والانحلال، وتعتبر الوسطية الإسلامية بأنها موقف أخلاقي ينتهجه الإسلام، ومنهج فكري وسلوكي يتبعه لوضع الفواصل في حياة الأفراد والحكم على مواقف تواجههم في حياتهم اليومية، ويمكن تعريف الوسطيّة أيضاً بأنها تصوّر الإسلام للمناهج والمواقف التي تواجه الانسان باعتدال، والسعي لتحرّي الصواب دون تشددّ أو انحلال لكن باختيار الحل الأوسط بينهما.
وتُعنى وسطية الإسلام بتحقيق التوازن بين الدنيا والآخرة؛ أي انتقاء الحل الذي يحقّق رضا الله سبحانه وتعالى ويتفق مع واقع الأفراد، ويشترط أن تكون الأمور دائماً موافقةً للشرع بالدرجة الأولى. يُذكر بأنّ الدين الإسلامي قد ذمّ التشددّ والمغالاة في أمور الحياة واعتبره بأنه إحدى طرق الضغط غير المباشر على الأفراد للخروج عن الطريق الصحيح، وأنّه وسيلة أو أداة لإرهاق المجتمع المسلم وإضعافه.
يُمكن وصف الوسطيّة كما قال محمد الخير يوسف :"بأنها مفهوم جامع لمعاني العدل والخير والاستقامة؛ فهي حقٌّ بين باطلين، واعتدال بين تطرفين، وعدل بين ظلمين"، وقيل عن الوسطية أيضاً بأنها عبارة عن وسيلة أو أداة جمع لعناصر الحق والعدل، فبجمعها هذا تقف موقفاً لم يسبق وجوده من قبل، وتعمل على توضيح رؤية الأفراد للأمور على حقيقتها باعتبارها منظاراً يفتح العيون لتوضيح هذه الرؤية، والتمكين من إبصار الإسلام على حقيقته.
ضوابط الوسطيةتعتمد وسطية الإسلام على جملة من الضوابط التالية الذكر، ومنها:
ورد ذكر الوسطية في الإسلام في عدّة مواضع في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، فقال تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» وقال تعالى: «قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ»، وفي هذه الآية الكريمة خير دليل على ما تتصف به الأمة الإسلامية من سمة الوسطية، والتي تعتبر ميزةً خصّ الله تعالى بها الإسلام وأمته والتي جعلته يجمع بين الآخرة والدنيا.
أهداف الوسطيةيمتاز الدين الإسلامي بالإضافة إلى وسطيته بالعالمية، فقد بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالم أجمع دون استثناء، ومن الأدلة الشرعية على عالميته قوله تعالى في سورة الأعراف :" قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّـهِ إِلَيكُم جَميعًا الَّذي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ لا إِلـهَ إِلّا هُوَ يُحيي وَيُميتُ فَآمِنوا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ "﴿158﴾، كما يهتمّ الإسلام بكل جوانب الحياة، ودخلت بالدين الإسلامي أممٌ عربية وغير عربية وفي كل بقاع الأرض، وكما تُعتبر العالميّة بأنها من أسس قيامه، ويُشار إلى أنّ الديانات الأخرى جاءت لأقوامٍ محدّدة دون غيرهم على العكس تماماً من الدين الإسلامي الأحنف.
وتُعتبر العالمية دافعاً رئيسياً لرفع الراية الإسلامية وعاملاً لتشجيع الأمّة الإسلاميّة على تولّي مسؤولية حمل الدعوة الإسلامية والمضي قدماً بنشرها وتبليغها للآخرين، كما تُعتبر قضيّة مهمّة لبناء التصورات الدينية والدنيوية لدى المسلمين، وتعتبر نافذة للانفتاح على العالم والسعي لتوصيل الرسالة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم،
وتتولّى عالمية الإسلام مسؤولية كشف النقاب عن الأبعاد التي تقوم عليها وتعتمد رؤية المسلمين، وكما يُمكن وصف العالميّة بأنه أسلوب لم شمل جميع الأجناس البشرية في كافة العصور تحت ظل الدين الإسلامي، وكما يمكن وصف عالمية الإسلام بإمكانية تطبيقه في أي زمان ومكان وملائمته لجميع الظروف واهتمامه بكلّ جوانب حياة الإنسان أيضاً، ويُشار إلى أنّ يكون سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم خاتماً للأنبياء والرسل علاقة وثيقة بعالمية الإسلام حتى يبقى البشر على الفطرة الإسلاميّة ولا يتبعون ملة أخرى قد تؤثّر بهم، لو كان بعد محمد صلى الله عليه وسلم أنبياء أو رسل آخرين، قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وذكر مصطلح العالمين دلالة على أنّ الدين الإسلامي لا يقتصر على فئة معينة.
مظاهر عالمية الإسلامالمقالات المتعلقة بوسطية الإسلام و عالميته