من أين يصنع الحديد

مر الإنسان بعصور كثيرةٍ، بدأت من العصر الحجريِّ الّذي كانت معظم الأدوات والمعدات فيه مكونةً من الحجارة، ومع تقدم الزمن واكتشاف المزيد من الثروات، أصبحت الحياة أسهل وأيسر من قبل، فقد كان الإنسان يبذل جهداً عظيماً ليتمكّن من قضاء حوائجه، فمثلاً عندما كان يذهب للصيد قديماً كانت الأدوات مجرّد أشياء بسيطةٍ، قد لا تغني شيئاً من أن تكون أعزلاً، وكأنّك بلا سلاحٍ أو أداة تساعدك على الصيد؛ بل كانت القوة الجسديّة هي العامل الأساسي في هذه الأمور.

ولكن مع تقدّم الزمن واكتشاف الثروات والمعادن، أصبحت الحياة بسيطةً وسهلةً أيضاً، وأصبحنا نستعمل النحاس في صناعة أواني الطبخ وما إلى ذلك، ولا شك أنّنا لم ننس موضوع الدفاع عن النفس، فأصبحنا نستعمل أدواتٍ مساندةٍ لنا في الحروب والصيد، فمثلاً أصبحنا نستعمل الحديد في صناعة السيوف والرماح وغيرها من الأسلحة.

وبعد ذلك أصبحنا نستعمل بعض الحجارة في بناء البيوت، وتطوّر بنا الأمر ووصلنا إلى تدعيم هذه الحجارة بالحديد لنكوّن بيتاً أجمل وأشد احتمالاً، ولا شك بأنك تعلم كم هي الفائدة العمليّة للحديد، وفي عصرنا الحالي لا أظن أنّ هناك بيتاً يخلو من الحديد؛ بل لا أعتقد أنّ هناك مكاناً لا توجد به قطعة حديدٍ واحدة على الأقل، بل وأصبحنا نستخدم الحديد بكل الصناعات.

هو أحد أقوى العناصر الموجودة على سطح الأرض، وهو أحد أهمّ مكوّنات الدم، أيضاً هو عنصرٌ مهم ٌ جداً لتكوّن الصبغة الخضراء في النبات (صبغة الكلوروفيل). الحديد هو عنصرٌ ثقيل، وأحد أهم خصائصه أنه العنصر الأكثر استقراراً وذلك لتعادل القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية في النواة.

المعظم يعرف أو يسمع بنظريّة الانفجار العظيم، تلك النظرية التي فسّرت نشأة الكون، وليس ذلك فحسب؛ بل امتلكت القدرة على تفسير الحوادث والظواهر العجيبة في هذا الكون الفسيح، فقد فسرت كيفيّة نشأة العناصر ومن أين جاءت. وعند لحظة انفجار الكون كان مكوّناً فقط من الهيدروجين والهيليوم، ومع الوقت بدأت تتكوّن النجوم والكواكب من هذه النجوم، وبفعل الضغط وتزايد درجات الحرارة، اصبحت أنوية الهيدروجين قريبةً جداً من بعضها البعض، حتى أنّ قوة التنافر لم تعد تعمل، بسبب قرب المسافة بين ذرات الهيدروجين؛ فبدلاً من التنافر اجتمعت مع بعضها البعض وكوّنت عنصر الهيليوم، وهذا ما يسمّى بعمليّة الاندماج النووي.

واستمرّت عمليّة الاندماج حتى وصلت إلى العنصر الذي يحمل 26 بروتوناً في نواته، وهو الحديد، وبعد ذلك لم تعد القوّة المؤثرة على الذات قادرةً على دمج ذرات تحمل عدداً ذرياً أكبر من العدد الّذي يحمله الحديد. إذاً نستطيع القول بأنّ المصنع الرئيسيَّ للحديد في هذا الكون هو النجوم؛ حيث إنّها المكان الوحيد الذي يحمل تلك القدرة والطاقة على دمج الذرات مع بعضها لتكوين عنصر الحديد.