مفهوم القيم المادية ومظاهرها

مفهوم القيم المادية ومظاهرها

لا يخفى علينا تأثير الحضارة الحديثة والتّقدم في شكلِ المجتممعات وقيمها، فمن المُلاحَظ طغيان القيم المادية في علاقة الإنسان بالآخر والمجتمع؛ حيث غدت هذه الظاهرة مادة دسمةً للمفكّرين والمصلحين لأهميّتها وتأثيرها على المجتمعات ودخولها في الرّهان على مستقبَل الإنسان.

القيم وأساسها

قبل أن نعرض مفهوم القيم الماديّة وإشكاليتها، سنوضّح ماهيّة القيم ومن أين جاءت؛ يُطلَق على العلاقة التي تنشأ بين الإنسان وما حوله: الأشياء، الآخر والأفكار مفهوم القيم، وهي المسؤول عن توجيه سلوكاته وأهداف أفعاله، من الجدير ذكره أيضًا أنّ القيم هي من تجعل الإنسان إنسانًا، وإلّا لكانَ كأيّ مخلوقٍ آخر لا يتصرّفُ تبعاً لقواعد ولا تردعه محظورات.

لا شكّ في أن الأديان لعبت دوراً كبيراً في تنظيمِ حياة الإنسان ووضع قيم تحكُم علاقته بالكون وتحددها، لكنّ الإنسان ومع تقدمه وتحضّره لم يعد يلتزم بالضوابط الدينية، فصار يبحث عن بديل يلائِم أهواءه ومصالحه ويتوافق وشكل المجتمع الذي يعيشُ فيه؛ فوضعَ بذاته قوانين وضوابط تبعاً للمفاهيم المجتمعية، الاقتصادية، والشعبية، والتاريخية أيضًا، باختصار يمكننا اعتبار أساس القيم تابعاً لمدى تطور اللغة، والفكر والحضارة.

مفهوم القيم الماديّة

تُعرّف القيم الماديّة على أنها التوجّهات أو السلوكات التي يسعى بها الفرد للوصول لشيءٍ ما يحبه ويرغب به؛ منفعةً ما، رغبةً أو شعوراً، الوصول للذّة ومتعة، أو أي ملموس أو محسوس يرغبُ به.

إن القيم اليوم تختلف عنها قبل عدة قرون، ومما لا شك فيه أن القيم الماديّة أصبحت الدّافع الأساسي لسلوك الإنسان؛ ففي المجتمعات المتقدمة تأخذُ القيمة قيمتها من الفائدة الماديّة التي تعود بها على المجتمع والفرد، بمنطق الحاجة الطبيعية المباشرة المتحكّمة في أخلاق وسلوكات الفرد.

ظهرت مدارس فكريّة فلسفية ذات انتشارٍ واسع، تبنّت المادّة كإطار مرجعيّ للحياة والإنسان، في بيئةٍ خصبة لهذه المدارس؛ فالتقدّم والثورات الصناعية التي كانت تسود أوروبا تطلّبت قوانين ماديّة تساهمُ في تسريع عجلة التقدّم والتحضّر، بَرزت منها فلسفة ماركس الماديّة، التي ألغت كل القيم الروحية، فأكّدت على أن كل الظواهر الاجتماعية قائمة على أساس الاقتصاد وعلاقات الإنتاج، ونفت كون الأخلاق قيمة روحية، فعرّفتها على أنها نسبيّة وتعتمد على عجلة الإنتاج. ربطت فلسفة ماركس التعليم بالعمل الإنتاجي الصّناعي والممارسة العملية؛ فاقتصرت إذن التنشئة على القيم الماديّة والمصالح النّفعية.

تُعَد القيم المادية قيماً ذاتيّةً نسبيّةً؛ فهي ذاتية لارتباطها بذات الفرد، فهي تتأثر بميوله وذوقه، مختلفةً من إنسانٍ لآخر، وكونها نسبيّة فهي مختلفةٌ أيضًا من ثقافةٍ لأخرى، أو من زمنٍ لآخر. باختصار إنّها تتغير وتتطوّر باستمرار بتغيّر المجتمعات وما يصحَبُها من تغيّرات سياسية، اجتماعيّة، علميّة أو ثقافية.

مظاهر سيادة القيم الماديّة
  • انخفاض قيمة العمل، واختزال أهميّته إلى جدواه ماديًا.
  • زيادة قيمة الكسب السّريع والسعي إليه بغضّ النظر عن قيمة العمل أو مشروعيته، وكنتيجة زادت نسبة الانحراف والتّعدي على الآخر.
  • اللامبالاة وعدم تحمّل المسؤولية من قِبل الفرد نحوالآخر أو المجتمع.
  • اضمحلال الروابط الروحيّة والوجدانية بين الأفراد.
  • انخفاض قيمة الأسرة وأهميتها في حياة الشخص.
  • شيوع الكثير من الآفّات الاجتماعية؛ كالرشاوي والاحتكار.

تنويه: لا يُمكن لمجتمعاتنا أن تتقدم إلّا بإعادة ترتيب أولوياتِها القيميّة، فلا سبيل لإلغاء قيمة ما، ولا يصحّ أن نُغفِل دور القيم الماديّة في تطور المجتمعات، لكن دون إسقاط للقيم الروحية، وكون الحياة مكوّنةً أبداً من المادة والروح، فهذا يعني بالضرورة تلازُم القيم المادية والروحية، تلازماً مستمراً ما استمرت الحياة، وإلا سيختلّ المجتمع ويعتلّ اعتلالاً لا سبيل لشفائه.

المقالات المتعلقة بمفهوم القيم المادية ومظاهرها