تزايدت حركة التجارة حول العالم وكسرت الحواجز الاقتصاديّة، فبعد انهيار جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي وانتصار الرأسمالية على الاشتراكية تحوّل العالم من عالم منغلق إلى عالم مندمج وأصبح عبارة عن قرية صغيرة مع انتشار شبكات الإنترنت ووسائل الإعلام والتطوّر التكنولوجي، ولم يعدّ مسكناً لكيانات منفصلة ومنعزلة عن بعضها، بل أصبح العالم مترابطاً ترابطاً عضوياً ومتكاملاً بحيث إنّ ما يحدث في أقصى الشمال يؤثر على أقصى الجنوب.
أصبح مصطلح العولمة أو الكوننة من المفردات الأكثر انتشاراً وشيوعاً في نهاية القرن العشرين لكنه في حقيقة الأمر ظهر المصطلح منذ ستينيات القرن الماضي، ففي كتاب "war and pace in the global village" لمارشال ماك لوهان وكنت فيور ذكر الكاتبان تجربة فيتنام، وقالوا أنّ التلفاز أثر على المواطنين وأصبح دور المواطن لا يقتصر فقط على المشاهدة وإنّما بات مشاركاً في الأحداث.
معنى العولمةإنّ صياغة تعريف محدد للعولمة تبدو فكرة شاقّة ومستحيلة إن صحّ التعبير، فهناك تعريفات عدّة للعديد من الكتاب والمفكرين والفلاسفة من منظورهم الخاص، بحيث يعرفها كلّ منهم وفقاً لأيديولوجية ينتمي لها واتجاهات يؤمن بها، فالعولمة تشير إلى فكرة الاعتماد المتبادل بين الدول حول العالم، وتشير إلى تحوّل عالمي في القيم الأخلاقيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة.
مفهوم العولمة يكتنفه الغموض فنجد للاقتصاديين تعريفاً للعولمة وللسياسيّين تعريفاً آخر وللاجتماعيين تعريفاً خاصاً بهم، ويمكن تعريفها على أنّها عالمية العادات والقيم والثقافات التي يفرضها العالم الغربي إن صحّ التعبير على دول العالم الثالث بحيث تشكّل اختراقاً ومحاولة للسيطرة على المجتمعات النامية ونشر الثقافات الغربية فيها.
تعريف الصندوق الدولي لمفهوم العولمةحسب تعريف الصندوق الدولي فهو يرى أنّ العولمة تعني التعاون الاقتصادي بين مجموعة من الدول حول العالم نتيجة لحتمية اتساع حجم التبادل التجاري عبر الحدود وانتشار التقنية ورؤوس الأموال، بينما يعرّفه المفكر العربي محمد الجابري الذي يربط العولمة بالهيمنة الأمريكية فيقول أنّ العولمة هي العمل على تعميم نمط حضاري لبلد معيّنة على العالم بأكمله ويخصّ بذلك الولايات المتّحدة الأمريكية، وهذا ما تحدث عنه أيضاً المفكر فوكوياما صاحب كتاب نهاية التاريخ والذي كان يرى في أنّ انهيار الاتحاد السوفييتي يمثل حقبة جديدة لهيمنة الرأسمالية التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية.
العولمة هي عملية اقتصادية بالأساس ثم سياسيّة ويتبع هذه الجوانب الجانب الاجتماعيّ، والثقافي، وعلينا أن لا نخلط المفاهيم بين مصطلح "globalization" أي العولمة وبين "internationalization" " والذي يعني التدويل أو جعل الشيء دولياً، وهناك فرق بين العولمة والعالمية فهذان المصطلحان يختلفان بالمعنى كاختلاف الخير والشر، فالعالمية تعني الانفتاح على العالم والاحتكاك بالثقافات الأخرى مع الاحتفاظ بفكر، وثقافة، وقيم الأمة، والهدف هنا هو تبادل المعرفة والإثراء الفكريّ، أمّا العولمة فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وثقافة الأمة والعمل على طمس هوية هذه الأمة وتحويلها جذرياً وذوبانها.
أهداف العولمةتهدف العولمة للوصول إلى سوق حرّ مفتوح خال من الحواجز والقيود بشتى أنواعها ودمج العالم في كينونة واحدة وتحقيق التجانس داخل هذا الكيان، وتتصف العولمة بسيطرة الشركات متعدّدة الجنسيّة وزيادة مساهمة رجال الأعمال في ظلّ تراجع دور الدولة، أمّا أشكال العولمة فهناك العولمة الاقتصادية والسياسية التي تركز على الحرية والديمقراطية والإنسانيّة والعولمة الثقافية.
المقالات المتعلقة بمعنى العولمة