يوم عرفة الحمد لله الذي منّ علينا بنعمائه فأتمّها لنا، وجعل في هذه الدنيا الكثير من الخير الذي نستطيع أن نغتنمه ونتعرّض له، يوم عرفة أحد هذه النّعم العظيمة، وهو اليَوم التاسع من شَهر ذي الحجّة - وهو شهرٌ حرام- ويقال إنّ "عَرَفة" اسمٌ لجبل قريب من مكة المكرمة، وهو اليوم الذي يقفُ فيه حجّاج بيت الله الحرام على عرفات يعبدون الله سبحانه وتعالى ويتضرّعون إليه بالدّعاء والسّؤال، وهو ركن الحجّ الأعظم حيث قال النبي صلى الله عليم وسلم: (الحجّ عرفة، من أدرك عرفة ليلة جمعٍ قبل طلوع الفجر؛ فقد أدرك الحج) [حسن صحيح].
يبدأ وقت عرفة من طلوع فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر أي العيد للحاج، أما لغير الحاج فينتهي وقته بزوال شمس يوم التاسع، وفي هذا اليوم يخطب الإمام في جمع الحجّاج من مسجد نَمِرة حيث يصلّون بعدها الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان وإقامتين.
فضائل يوم عرفة - صيام يوم عرفة غنيمةٌ كبيرة -لغير الحاج-ّ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يكفرِّ السنة التي قبله، والسنة التي بعده) [صحيح] ولا يسنّ للحاجّ صيامه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصُم وهو واقفٌ بعرفة فلا نفعل اقتداءً بهديِه، ولأنّ في عدم الصيام تخفيفٌ على الحاج ورفعٌ للحرج والمشقّة والتعب عنه فيستطيع بذلك القيام بمناسك الحج في ذلك اليوم بسهولة ويُسر.
- هو اليوم الذي يباهي فيه الله عزّ وجلّ ملائكته بعباده المؤمنين الذين جاؤوا متذلّلين إليه خاضعين مجتمعين كلهم في صعيدٍ واحد معظّمين شعائر الله بقلوبٍ بيضاءَ تتّجه إليه سبحانه يرجون رحمته ويخافون عذابه ويسألونه من فضله وكرمه ومغفرته، ولسانهم يلهج بالتلبية والتكبير لربّ العزّة.
- في يوم عرفة من حجّة الوداع نزلت آيةٌ عظيمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي آية كمال الدين وتمام النعمة، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3] وهذه أكبر نعم الله حيث لا زيادة ولا نقصان في هذا الدين الذي هو المنهج القويم المتكامل الذي لا عيب فيه والصّالح لكل مكان وزمان.
- هو يوم مغفرة وعتقٍ من النار؛ وهو أكثر يومٍ يعتق الله فيه -برحمته- أناسًا من النار ولهذا يكون فيه الشيطان حقيرًا صغيرًا ذليلًا من كثرة ما يرى من إقبال الناس على الذكر وتلبيتهم واستجابتهم لطاعة الله سبحانه تعالى.
- هو أحد أيام العشر من شهر ذي الحجّة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وأقسم بها الله عزّ وجلّ لبيان عِظَم شأنها وعلوّه. قال تعالى: (ولَيالٍ عَشر) [الفجر:2] فالليالي العشر هي أيّام شهر ذي الحجة العشر الأولى.
- هو يومٌ يكثر فيه الذكر والدعاء لما فيه من الأجر العظيم؛ فعلى المسلم في هذا اليوم ألّا يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وأن يحرص على تجنّب الوقوع في الذنوب والمعاصي، كما أنّ الحسنة فيه مضاعفة فالسّيئة مضاعفة أيضًا بل يجب أن يفرّغ نفسه ليتعرّض لنفحات الله في هذا الموقف العظيم فيغترف من بحر الأجور والطاعات، ويترك كلّ ما يشغله عن مسألة الله والدعاء عسى أن يتقبّل الله منه، ويُحرّك لسانه بالاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والذكر الكثير، وينبض قلبه بالضّراعة والخشوع والإنابة لربّ العالمين.