حتى تزدهر أيُّ أمة وتكبر، ينبغي أن تكون حياة رجالاتها الأوائل محطَّ اهتمامٍ وتمحيص. وكذلك الحال في معظم الديانات والتحزبات، ومع أنَّ حياة أبي بكرٍ لم تُعطَ جانباً كبيراً من الاهتمام من قبل المسلمين؛ ربما لقِصر فترة خلافته، إلّا أن سيرته العطرة ومواقفه الجليلة لا يمكن استثناؤها أبداً، ويُرجّح الكثير أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل خلق الله من البشر بعد الأنبياء والرسل. فمن هو أبو بكر؟ وما هي أبرز مواقفه في الإسلام؟ وكيف مرض وتوفي رضي الله عنه؟[١]
مرض أبي بكرٍ الصديق ووفاته لم تطل فترة خلافة أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه فما أوشك أن تولّى الخلافة حتى عاجله المرض ثم الموت، وقد كان سبب موته وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يروي الحاكم عن ابن عمرَ رضي الله عنهما حيث أصابه كمدٌ بعد موت رسول الله فما زال جسده ينقص منه حتى مات، ويروي ابن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا قد أكلا شيئاً أهدي إليهما، فقال الحارث لأبي بكر: (ارفع يدك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إن فيها لسمُّ سنة، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحد، فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة).[٢]وتروي عائشة رضي الله عنها أنَّ أول مرض أبيها أبي بكر الصديق كان بعد اغتساله يوم الاثنين السابع من شهر جمادى الآخرة، وكان ذلك اليوم شديد البرودة، فأصابته الحُمى بعد ذلك خمسة عشر يوماً، وكان من شدّة الحمّى لا يخرج لأداء الصلاة جماعةً، حتى توفي ليلة يوم الثلاثاء،[٢] الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة الموافق للثالث والعشرين من شهر آب من عام ستمئة وأربعة وثلاثين ميلادية، وكان عمره حينها ثلاثاً وستين سنة، وقد دُفن -رحمه الله- في الليلة نفسها التي توفي فيها، وأمَّ الناس للصلاة عليه عمرُ بن الخطاب، وكان ذلك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، ووسّده القبر ابنه عبد الرحمن، ورافقه عمر وعثمان وطلحة، وقد جعلوا رأسه عند كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلوا لحده ملاصقاً للحد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان آخر ما نطق به أبو بكر قبل وفاته قوله: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) وقيل: إن عائشة رضي الله عنها هي التي كانت تعتني به وتمرّضه في مرض وفاته.[٣]
استخلاف أبي بكر لعُمر بن الخطاب يروي الواقدي: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما اشتدَّ عليه المرض دعا عبد الرحمن بن عوف، وسأله عن عمر بن الخطاب فقال له عبد الرحمن بن عوف: (هو والله أفضل من رأيك فيه)، ثم طلب عثمان بن عفان ليسأله عن عمر كذلك، فقال: (اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله)، وشاور كذلك غيرهما من الصحابة منهم: سعيد بن زيد، وأسيد بن حضير، وغيرهما من الصحابة، وكلُّهم أجمعوا على أفضلية عمر واستحقاقه للخلافة بعد أبي بكر الصديق.[٢]ويُروى أن بعض الصحابة قال لأبي بكر حينها: (ما أنت قائلٌ لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: بالله تخوفني؟ أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من ورائك). ثم طلب عثمان ليحضر إليه، ويكتب ما يُمليه عليه وكان مما أملى عليه قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدَّل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ثم بعد ذلك أمر بالكتاب فخُتِم، ثم فخرج به عثمان مختوماً، فبايع الناس ورضوا بذلك.[٢]
أبو بكر الصديق اسمه ونَسَبه وكُنيتهالمقالات المتعلقة بمرض أبو بكر و وفاته