الموتَ حقيقة لا يُنكرُها مُؤمن ولا كافر، وقد كتبهُ الله على جميع خلقه، ولم يَستَثْنِ في ذلك أحداً حتّى أَحَبَهم وأَقربَهم إليه، بل أَذاقهُ لرُسلهِ وأَنبيائهِ، قال الله عزَّ وجلَّ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)،[١] فالإنسانُ لم يُخلَق للخلودِ على وجهِ هذه البسيطةِ بل إنّ الله قد استخلفهُ فيها؛ كي يُؤدّي الذي خُلِقَ من أجلهِ من عبادة الله وتوحيده، وألّا يُشرِك بعبادته، فإن حان أجله وأدركته المَنيّة فمن الطبيعيّ أنّه سيَشعُر بسكراتِ الموت، وينقسم العبدُ حينها إمّا لعبدٍ كافر، أو لعبدٍ مؤمن؛ فإن كان كافراً كانت سكرات الموت عليه شديدةً ومُوجعةً، وإن كان العبد مُؤمناً كانت سكراتُ الموت عليه سهلةً ويسيرةً، وقد تشتدُّ سكراتُ الموت على فئةٍ خاصّةٍ من المؤمنين حتّى يَرفع الله بذلك درجاتهم، ويُكَفِّر عن سيّئاتهم، ويَرفَع منزلتَهم، ومع ذلك فإنّ كلّ من يموت فلا بدّ سينالهُ نصيبٌ من سَكَرات الموت، فتلك إرادة الله في خلقه.
معنى سَكرة الموتسَكْرَة (مفرد): جمعها سَكَرات وسَكْرات، أمّا المقصود بها فيصدُقُ على عدّة معانٍ منها:
سكرة الموت كما أظهرت التّعريفات اللغويّة هي حالةٌ من الإغشاء سببها شدّة الألم الذي يشعر به الشّخص المُحتضِر بحيث يكون في حالةٍ بين الوعي واللّاوعي، والذي يظهر من هذه التّعريفات أنّ سكرة الموت حالةٌ من الإغشاء سببها شدّة الألم الذي يَشعر به الشّخص المُحتضِر بحيث يكون في حالة بين الوعي واللّاوعي.
سكرات الموت في القرآن والسُنّةجاء ذكر سكرات الموت في عددٍ من المواضع في القرآن والسُنّة، وإن دلَّ ذلك على شيءٍ فإنّما يدلُّ على الأهميّة التي يُنبّه لها الشّارع سبحانه وتعالى لتلك اللّحظة وقيمتها في حياة المُؤمن حتّى يَتَنَبَّه من غفلته، ويكُفَّ عن معاصيه، ويعود لفطرته ودينه القويم، والآتي بعض تلك المواضع في القرآن والسُّنة مع بيانٍ يسيرٍ لها.
سكرات الموت في القرآن الكريموصف الله سبحانه وتعالى شدّة الموت في أربع آيات هي:
وأمّا عن ذكر سكرات الموت في السنّة فقد وردت أحاديثُ كثيرة حولها، ولأهميّة هذا الموضوع فقد جعل الأمام البخاريّ في كتابة صحيح البخاريّ باباً مُنفصلاً أسماه (باب سكرات الموت)؛ حيثُ أورد فيه عدداً من الأحاديث الصّحيحة منها: عن أم المؤمنين عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، يَشُكُّ عُمَرُ - فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ) ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: (فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى) حتى قُبضَ ومالت يداه).[١٤]
فقد عانى رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام - في سكرات الموت أيُّما مُعاناة، وتألَّم أيُّما ألم؛ وذلك حتّى يُعلي الله شأنه فإنّه ما من ألمٍ يُصيب العبد المؤمن فيصبر إلا كُتِبَ له بذلك أجر، وقد رُوي عنه - عليه الصّلاة والسّلام - في ذلك ممّا رواه عبد الله بن مسعود حيث قال: (دخلتُ على رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وهو يُوعَكُ، فقُلْت: يا رسولَ اللهِ، إنك لَتُوعَكُ وعْكًا شَديداً؟ قال: (أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ رجُلانِ منكم) قُلْت: ذلك بأن لك أجرينِ ؟ قال: أجل، ذلك كذلِك، ما مِن مُسلِمٍ يُصيبُهُ أذًى، شَوْكَةٌ فما فَوقَها، إلا كفَّرَ اللهُ بها سيآتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها).[١٥]
سكرات الموت في الطبّقام المعهد الطبيّ في العاصمة التشيكيّة براغ بإجراء دراسة على ما يحدث للمُحتَضِر أثناء عمليّة الموت، وما يراه الإنسان في آخر لحظات حياته، مثل: عرض لشريط ذكرياته خلا فترة حياته ورؤيته لنفق في نهايته ضوء أبيض، وقد ارتكز المعهد في إجرائه لهذه الدّراسة على آراء العديد من الأطبّاء النَفسيّين والجرّاحين، والاعتماد على شهادات لعدد من الأشخاص الذين توفّوا لساعات أو دقائقَ وعادوا ليُخبروا بما جرى لهم، كما اعتمد المعهد أيضاً في إجراء دراسته على التّشخيص العلميّ عند مُغادرة الشّخص لهذه الحياة وارتباط هذه المرحلة بين المراحل التدريجيّة لحالة فقدان الوعي وعدم الإدراك الذي يحتفظ بالصّور الأخيرة في الذّاكرة. وأظهرت الدّراسة أنّ الخوف من الموت ورهبته ترك أثراً على التّفكير، وأنَّ الموت يبدأ بتوقُّف القلب عن أداء عمله وليس بتلف الدّماغ؛ حيث يوجد فرق بين الغيبوبة الطّويلة التي يَصحبُها احتفاظٌ في الصّور الأخيرة التي شاهدها المُحتضر، ويمكن أن تمتدّ إلى عدّة سنوات، يُقابله موت الدّماغ الذي يستغرق عشرين دقيقة فقط؛ حيث يستطيع الجسم البقاء كحدّ أقصى لمدّة عشرة أيام.
تكون اللّحظات التي يأتي بها الموت سريعةً ولا رَجْعَة فيها عندما يموت القلب بشكلٍ كامل، وتبدأ أعضاء الجسم الأُخرى بالتّلف نتيجة عدم وصول الأكسجين إليها، ويبدأ الدّماغ بالتَحَلُّل، ومن ثمّ تتحلّل الأعضاء الأُخرى وتعلَن الوفاة.[١٦]
المراجعالمقالات المتعلقة بما هي سكرات الموت